19 سبتمبر 2025

تسجيل

التعصب.. إلى أين يقود؟!

11 يوليو 2011

الحماسة لأي أمر لا غبار عليها، وللناس ألوان من التعبير عن حبهم، ومستوى حماستهم حيال هذا الحب، وعلى سبيل المثال في بلدان كثيرة تحدث المعارك في نهاية مبارة لكرة القدم يستعمل فيها كسلاح كل ما هو بمتناول الأيدي، كل ذلك لأن أحد الفريقين فاز على خصمه، وفي المعارك الإعلامية تستخدم كل ما تضمنته قواميس اللغة من كلمات تعبر عن احتقان تفجره المواقف التي لا تعالج بحكمة، بل تتحول إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اية لحظة، بسبب التعصب.. حتى في الحوارات الشخصية بين اثنين أو أكثر، عندما تغيب السيطرة على المواقف ويتحول الحوار عن هدفه، ليمسي وسيلة للتراشق بالكلمات الصعبة، وما يعقبها من عداوات. ما يوحي به كل ذلك هو الخلل الذي يحكم علاقتنا بكثير من الأمور، والإسراف في إبداء العواطف السلبية والإيجابية دون توازن أو إدراك لما تتركه هذه المواقف المتشنجة من آثار خطيرة، لخضوعها لانحراف المزاج ووقوعها في دائرة التعصب في زمن يحارب فيه التعصب بعد أن ظهر للعيان ما يؤدي إليه هذا التعصب من مشاكل ومشاحنات بين أفراد المجتمع الواحد، بل والأسرة الواحدة، حين يبلغ ذروة العداء في غياب الحوار الهادئ الرزين، الذي يُحترم فيه الإنسان مهما تباينت وجهات النظر ومهما بلغت حدة الخلاف، وغياب ثقافة الحوار يقود أفراد المجتمع إلى صدامات لا تحمد عقباها في كل الحالات، لتكون النتيجة وبالا على المجتمع وأفراده. ليست المسألة هنا مقتصرة على كلام يتفوه به أحدهم في لحظة حماسة وانفعال، لكن المسألة لها دلالاتها السلبية التي تتجاوز الفردي إلى العام، فالعاطفة عندما تهدر لمجرد التعصب لهذا السبب أو ذاك.. فهذا معناه ان الإنسان لا قيمة له، وان هذا الإنسان الذي كرمه الله بين جميع مخلوقاته، ومنحه العقل الذي يميز بين الخطأ والصواب وبين الباطل والحق.. هذا الإنسان تجاهل هذه القيمة الإلهية التي منحت له، لينحدر إلى مستويات من التفكير أو عدم التفكير لا أحد يرضاها لا لنفسه ولا لغيره، لتصل الأمور إلى حدها الأقصى من الغضب، وسقوط العقل في هوة الغضب مثل سقوط كرة الثلج وهي تزداد حجما كلما زادت سرعتها نحو الهاوية. هذا الموقف ترجمة صريحة لمجتمع أو لفئة تعزل نفسها عن السياق العام للوعي الذي يحكم أي تصرف، لأنها تعيش في أوهام التعصب الذي لن يجدي نفعا في استعادة مجد مضى أو أضواء انحسرت فأدى غيابها إلى غياب الوعي بما هي عليه الحال من فهم عميق لهموم هي أكبر بكثير من الهم الشخصي مهما بلغت حدته والحماسة له. لا أحد يصادر عواطف أحد حتما، وحرية الرأي تكفل للجميع التعبير عن عواطفهم، لكن في حدود ما هو سائد في المجتمع مما لا يتنافى مع تعاليم الدين ولا يقود إلى التناحر وانشقاق الصف، وهذا نوع من الفتنة التي لا يجوز لأحد أن يوقظها، تحاشيا لنتائجها ودرءا لأخطارها واتقاء لغضب الله. الحوار بمعناه العام يشترط التسامح، وترويض النفس الأمارة بالسوء وتعويدها على قبول الرأي الآخر مهما بلغت حدة الخلاف معه، هذا هو الفهم العام للحوار، وهو فهم يغيب عن بعض المتحمسين الذين تبلغ بهم الحماسة حدا لا يتصوره ولا يقبله عاقل، عندما تتحول هذه الحماسة إلى تجاوز الخطوط الحمراء التي يفرضها العقل على السلوك الإنساني في المجتمعات المتحضرة، بعد ان مر الإنسان عبر تاريخه الطويل بتجارب يفترض أنها روضته ليعش حياته كما يجب أن تعاش. التعصب للموقف كفيل بأن يخلق من التوتر والقلق ما يحيل الحياة إلى جحيم لا تستقيم معها الحياة الهادئة السعيدة، لأنها ترمي بأصحابها في هاوية العزلة الذاتية، عندما يتجنبهم حتى أقرب الناس ، فالتعصب لا يقود إلا إلى الهاوية. [email protected]