30 أكتوبر 2025

تسجيل

كشف حساب

11 يونيو 2018

أطهر العباد قلوبًا وأصفاهم روحًا هؤلاء الذين يُحاسِبون أنفسهم باستمرار، ويهذبون اعوجاجها وشططها، فكلما كان الحسابُ متقاربًا كان أخفَّ وأيسرَ على العبد التغيير والتطوير في سلوكه وعبادته؛ لذلك أمرنا الله عز وجل بمحاسبة النفس أولًا بأول، حتى يكون الإنسان على بصيرة من أمره، فقد قال تعالى (:  بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة: 14، 15]، وقال تعالى :    (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ [)الحشر: 18]. ولقد ربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين الأوائل على المحاسبة الذاتية وصدق المراقبة، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسبه ربه خفَّ يومَ الحسابِ حسابُه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسُن مُنقلَبُه ومآبُه، ومَن لم يُحاسب نفسَه دامت حسراته، وطالت يوم القيامة وقفاته. كما روى شداد بن أوس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» (متفق عليه).  ومن أقوال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ - أَوْ قَالَ: أَيْسَرُ - لِحِسَابِكُمْ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَجَهَّزُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ". وإن كان المسلم عليه أن يحاسب نفسه في كل الأوقات، فإنه من الأحرى أن يتعهَّد ذلك في رمضان موسم العبادات والطاعات والأعمال الصالحة، فعليه أن يغتنم كل لحظة فيه ليكسب الأجر الذي وعده الله به وهو الرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ ولذلك يجب أن يكون له وِرد يومي يحاسب نفسه عما قدَّم من أعمال صالحة، وما فاته، فماذا يسأل المسلم الصائم نفسه؟ وكيف يقوِّم نفسه ليكون على الطريق المستقيم؟ افتح دفترك الآن وراجع حساباتك الرمضانية:  ١- هل استحضرت نية الصيام بأن يكون لله إيمانًا واحتسابًا؟ يقول صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه). ٢-هل أديت الصلوات الخمس في جماعة خاشعًا مستحضرًا عظمة الله؟ يقول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (البقرة: 103)، ويقول سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون: 1). ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن أي العمل أحب إلى الله قال: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» (متفق عليه). ٣-هل تواظب على صلاة القيام في جماعة؟ يقول الله عز وجل في وصف عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (الفرقان: 64)، ويقول: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا (السجدة: 16). ويقول الرســول صلى الله عليــه وسلم: « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا، وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه). ٤-هل صليت صلاة التهجد في رمضان؟ يقول الله عز وجل: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (الإسراء: 79)، وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الذاريات: 18)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ» (رواه الترمذي). ٥-هل أكثرت من قـــــراءة القــــــرآن في رمضان؟ يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» (رواه أحمد). ٦- هل حرصت على صلة الأرحام وإزالة الشحناء والبغضاء بينك وبين إخوانك؟ فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». فذكر أن أعمال المتخاصمين لا تُعرض على الله تعالى: وذلك لعِظَم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان، فالإسلام حث على الإخاء والمودة، وحرَّم التدابر والتقاطع بين الإخوان. ٧-هل التزمتَ بآداب الصائمين في رمضان؟ يقول الله تبارك وتعالى في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (الفرقان: 72). ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: « وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ». ٨-هل اجتهدتَ في الدعاء وأنت صائم؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» (رواه الترمذي). ٩-هل اتقيتَ الله في كسبك وطعامك حتى يُستجاب لك؟ يقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ (سورة البقرة -267)، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» (رواه الترمذي وحسنه). وسأل سعد بن أبي وقاص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف أكون مستجابَ الدعوة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ» (رواه الطبراني). ١٠-هل استغفرتَ الله وتبت توبة نصوحًا في شهر الغفران؟ يقول الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال: 33)، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (النصر: 4). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ» (رواه أبو داود). ١١-هل تعاونت مع إخوانك على البر والتقوى في رمضان؟ يقول الله تبارك وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة:1).  ١٢-هل نويتَ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟ يقول الله تبارك وتعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (البقرة: 187)، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (البقرة:125). وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ" (رواه البخاري ومسلم). ١٣-هل تَحَرّيْتَ ليلة القدر وأقمتها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان؟ يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (القدر: 1-3)، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ (الدخان: 3). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (رواه البخاري. ١٤-هل أكثرت من الصدقات في رمضان؟ يقول الله تبارك وتعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 19)، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» (متفق عليه). هذه الحسابات وأكثر يجب مراجعتها والوقوف على قيمة المكاسب والخسائر، فالمحاسبة تمحص النفس وتطهرها أولًا بأول، فاحرص عليها في حياتك كلها، واجعل رمضانك بداية لفتح حساب شخصي مع نفسك. اللهم طهِّر قلوبنا وأنفسنا وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار.