16 سبتمبر 2025
تسجيلاهتمَّ الإسلام بشكل كبير بحثِّ الإنسان على ضرورة العمل، فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مَنْ يأكل بتعبه ومِن عمل يديه لا يستوي أمام الله مع من يأكل بعمل غيره دون حاجته له، وقد ذم من يقدرون على العمل ويتكاسلون في أدائه، ويمدون أيديهم للناس سائلين الصدقات والهبات وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء سيظهرون يوم القيامة بشكل مهين وبسواد الوجه. فمهنتك قد تُدخِلك الجنة ما دمت تبغي رضا الله، وإعانة نفسك وأسرتك على تكاليف الحياة ولكي تغنيكم وتكفيكم عن الحاجة وسؤال الناس، وقد قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]. أي أن ذلك العمل الصالح ستُجزى بسببه خيرًا في الدنيا وثوابا عظيمًا في الآخرة. حتى إن عَمَلك قد يَدخل في عِدَاد الجهاد، فعن كعب بن عجرة قال: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ». صححه الألباني في صحيح الجامع. أي أن العمل الذي تقوم به يمثل جهادًا عند الله، مهما تعددت الغايات، ما دامت تلك الغاية مراعية للإسلام، كإعالة أولاد صغار لك، أو رعاية والديك الكبيرين، أو الإنفاق على نفسك حتى تعفها عن أكل الحرام، وعن مسألة الناس، فأنت مأجور على كل هذا. لهذا فإن الرجل الذي يتعب ويقوم فجر كل يوم ليذهب إلى طلب الرزق ويعود مساءً وهو مُتعَب مرهق وينفق على أسرته، خير من رجل يخرج من أول النهار متعبدًا لله مصليا، ومقيما للصلاة ليلا، وصائمًا ومتقربا إلى الله دائما، ولكنه لا يعمل ولا ينفق على أحد بل ينتظر من ينفق عليه، فإن هذا المنفق أفضل من ذلك المتعبِّد، لأن العبادة لا تعني التواكل أو انتظار عطف الناس، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وهذا الفعل ليس إلا فعل الضعفاء الكسالى، وهذا بعيد كل البعد عن الإسلام وعمَّا يدعو إليه الإسلام. وكونك صائمًا وتذهب لعملك لتنفق على أسرتك فأنت تثاب ثوابًا عظيمًا، بناء على تلك المشاق التي تتغلب عليها، ولهذا شبهك الرسول يا من تعمل، بالمجاهد، لأنك في الحقيقة تقيم الإسلام وتحرص على تقوية بنيانه بهذا الفعل، كمن يحمل سلاحه ويقاتل أعداء الله حتى ينشر الإسلام. فكلاكما مأجور بإذن الله.