30 أكتوبر 2025

تسجيل

عن "بيكيتي" وكتابه المدهش

11 يونيو 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); المادة لا تفنى ولا تخلق من العدم، هذه القاعدة الكيميائية هي قاعدة سياسية واجتماعية أيضا، مؤداها ـ ببعض التأمل ـ أن الصراعات لن تنتهي، وأن توقفها يعني أن مادتها ـ التي لا تفنى ـ قد اتخذت شكلا آخر. هذه العبارة لم يقلها "توماس بيكيتي" في كتابه "رأس المال في القرن 21" لكنها ـ على الأرجح ـ دارت في مخيلة كثيرين غيري وهم يقرأون كتابه الاقتصادي، الذي يعتمد على النماذج الرياضية وتحليل بيانات اقتصادية تفصيلية تغطي العالم في القرن الماضي، وأخرى مالية بالغة الدقة عن فرنسا وإنجلترا في القرنين الماضيين، وبيانات ضرائبية تعود إلى العقود الثلاثة الأخيرة، توضح أن دخل أبناء الطبقة الوسطى ظل ثابتا طيلة هذه المدة، بينما ارتفع دخل الأغنياء مبتعدا عن الجميع. ما يعني ـ وهذا من عندي ـ أن الطبقة الوسطى لم تعد "وسطى" بالضبط، وأنه أصبح من الممكن التقسيم إلى "قمة" غنية وقاعدة فقيرة، والقاعدة فيها من هم أفضل حالا (الوسطى سابقا) ومن هم أسوأ (الفقراء دائما).وهي حال تعود بنا ـ كما يقارن "بيكيتي" ـ إلى قريب من العصر المعروف بـ"القشرة الذهبية"، ففي العام 2010 بلغت حصة الـ1% الأكثر ثراء 25% من ثروة البلاد في أوروبا، و35% في أمريكا، بينما بلغت حصة الـ10% الأكثر ثراء 60% من الثروة في أوروبا و70% في أمريكا. وهي نسب تعني أن التفاوت يزداد باطراد، فالـ1% يملكون 25% و35% من حجمهم، وهي نسبة تهبط إلى ربع قيمتها أو خمسها مع شريحة الـ10% لتصبح 6% و7%، أي أن الحجم النسبي للثروة يتناسب عكسيا مع عدد الأشخاص، فهو يقل كلما اتسعت الشريحة، ويزداد كلما ضاقت، ما يؤكد تصاعد معدلات التفاوت، الذي يقول "بيكيتي" إنه الآن في الولايات المتحدة يماثل ما كان عليه في أوروبا في العام 1900.هذا التحليل الاقتصادي قدمه "بيكيتي" مدعوما بشرح تاريخي ـ مسهب إلى حد الملالة ـ لأسباب اختلافات الهياكل الاقتصادية بين الدول. فضلا عن تحليل ـ يمزج الأدبي بالاقتصادي ـ لروايات "أونوريه دي بلزاك" و"جين أوستن" و"هنري جيمس" لدراسة قيام المجتمعات الطبقية على أساس أن " الرأسمالية تخلق وتراكم التفاوت بين رأس المال والعمل، ما يجعل منها حفار قبرها".يبقى أن كتاب "بيكيتي" يشير إلى سقوط فكرة "الحتمية"، مكتفيا بأن "يقترح" حلا لتجنب تباطؤ النمو والتطرف الشديد في تفاوت الدخول، يتمثل في فرض ضريبة على الثروة العالمية تصل إلى 2% وأخرى تصاعدية على الدخل تصل إلى 80%، لكنه لا يجزم بأن مقترحه هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، ذلك أن القوانين والقواعد التي يعول المحللون عليها ليست صارمة دائما، أو أن نواتجها تتغير بتغير العوامل التي تدخل عليها، ما يأخذنا إلى قاعدة كيميائية أخرى تقول إن "مجموع المواد الناتجة عن التفاعل يساوي مجموع المواد الداخلة فيه"، لنكتشف أنها قاعدة تنطبق على النشاط الإنساني أيضا.