15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام الإسرائيلي.. ومحاولة بث اليأس من ثورة مصر

11 يونيو 2011

من يتابع الإعلام الإسرائيلي، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، وما يتضمنه من تحليلات سياسية وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين، يشعر أن هذه الثورة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافها الداخلية أو الخارجية.. لا بل إنها سوف تقود مصر إلى الانهيار والخراب الكامل. فوسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة تصر بشكل يومي، على طرح التحليلات السياسية الساعية إلى تحليل عناصر التفاعلات السياسية في مصر بعد الثورة ومستقبل هذه التفاعلات داخليا وخارجيا، في اتجاه واحد يقود إلى أن ما يحدث ليس سوى انقلاب ضد نظام الحكم السابق الذي حقق لمصر الأمن والسلام طوال أكثر من ثلاثين عاما. ومنذ اللحظات الأولى للثورة لم يفوت الإعلام الإسرائيلي الفرصة في بث سمومه ضدها عبر تسريب الأخبار والتصريحات التي تؤكد أن هذه الثورة تقودها الولايات المتحدة في إطار استراتيجيها الرامية إلى تغيير بعض أنظمة الحكم في المنطقة العربية. فقد بث موقع ديبكا القريب من المخابرات الإسرائيلية خبرا خلال الأيام الأولى من الثورة يؤكد أن الولايات المتحدة هي التي وقفت وراء تصعيد التظاهرات الشعبية، مشيراً إلى أن واشنطن خططت جيدا وبشكل سري تام لكل ما حدث بغية تقويض حكم حسني مبارك، وأن الخطة الجارية بدأ التخطيط لها عام 2008 أي أثناء حكم الرئيس السابق جورج بوش، حيث تم العمل مع عدد من المنظمات الأهلية من أجل تنظيم الجهود الشعبية للمعارضة المصرية كما تم دعوة العديد من قيادات هذه المؤسسات فضلا عن قيادات شبابية إلى الولايات المتحدة لحضور "دورات تدريب".. هي في حقيقة الأمر دورات تأهيل لكيفية الانقلاب على مبارك تحت مسميات حقوق الإنسان وغيرها. وأضاف الموقع أن هذه العملية تتكون من مرحلتين، الأولى هي التخلص من مبارك والمرحلة الثانية إظهار قادة جدد جرى "تربيتهم وتدريبهم" في واشنطن للترشح للانتخابات وضمان فوزهم. وبعد تنحي الرئيس مبارك بثلاثة أيام نشرت صحيفة معاريف مقالا لـ"دافيد بكعي" يؤكد فيه أن "ما يجري في مصر ليس ثورة اجتماعية – سياسية، ولا يوجد أي ميل للتحول الديموقراطي والحريات، بل العكس تماما. في مصر كان نظام عسكري في سياقات التحول المدني والآن الحكم هو نظام عسكري مباشر، معناه المس بالحريات القليلة التي كانت موجودة". ملقيا باللوم على وسائل الإعلام العربية والعالمية التي قامت بتضخيم الأحداث في مصر حتى ظن البعض أنها ثورة. وبالتزامن مع هذا المقال كتب تسفي مزال مقالا في صحيفة معاريف يعيد فيه طرح الخبر الذي أورده موقع ديبكا لكن بشكل مختلف، حيث أشار إلى أن الاحتجاجات في القاهرة وباقي المدن المصرية ارتبطت بقوى خارجية أساسا هي التي وفرت لها عوامل النجاح مثل قناة الجزيرة التي اعتبرها "الزعيم غير المتوج للمتظاهرين" في ميدان التحرير، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة التي أسهمت في ذلك عن طريق سحب مساندتها للرئيس مبارك الأمر الذي شجع المتظاهرين على الاستمرار. وأكد أنه بعد تنحي مبارك دخلت مصر إلى المجهول في ظل سيطرة الجيش على السلطة وعدم وضوح مدى قدرته ورغبته في تحقيق الانتقال إلى الحكم المدني الديموقراطي أو استمرار سيطرته على السلطة. بعد ظهور نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في شهر مارس الماضي، راحت الصحف الإسرائيلية تستغل الحدث في إثبات أن الثورة المصرية فشلت وأنها سوف تقود إلى حكم أوتوقراطي ديني يناهض قيم الديموقراطية. فقد كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان" ربيع الشرق الأوسط.. لا تغيير ولا دراماتيكي" مشيرة إلى أن النتيجة البشعة لما حدث في مصر هو أن الدين أصبح القوة الرئيسة المحركة للأحداث وأن الإخوان المسلمين أصبحوا شريكا صامتا للحكومة العسكرية، أما النشطاء من الشباب والعلمانيين الذين حركوا الاحتجاجات، فلم يعد لهم دور. وقالت الصحيفة إن نتائج الاستفتاء تؤكد على أن الأغلبية تفضل الإسلام غير الديموقراطي، على الليبرالية الديموقراطية، وعليه فإن "الديموقراطية عندهم هي لمرة واحدة: من ينتخب يبقى ويضع حدا للعملية الديموقراطية. حتى... ينحى في الثورة التالية".  واتساقا مع هذا المعنى جاءت تصريحات رئيس الموساد الأسبق شبتي شافيط التي أطلقها في مقابلة مع موقع "بورت تي بورت" الإخباري الإسرائيلي التي استبعد فيها أن تكون الحكومة المصرية القادمة حكومة ديموقراطية أو ليبرالية، معتبرا أن ما يجري الآن في مصر هو التمهيد للخلافة الإسلامية على يد "الإخوان المسلمين". وأضاف أنه "من الصعب خروج أنظمة ديموقراطية وليبرالية عربية من ثورتي مصر وتونس رغم نجاح الجماهير الشعبية في تلك الدولتين في إسقاط الحكام، فلا توجد أي مؤشرات على تغير ديموقراطي". من المؤكد أن هذا السيل الجارف من التحليلات السياسية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف أبرزها هو بث مشاعر اليأس والإحباط في نفوس الجماهير الثائرة في مصر والدول العربية الأخرى ومحاولة إيقاف المد الثوري العربي، عبر التأكيد مرة أنهم ليسوا أكثر من حطب تقوم جهات خارجية بإشعاله من أجل تحقيق أهدافها.. ومرة أخرى عبر الإشارة إلى أن نتائج ثوراتهم لن تكون في أحسن الأحوال أكثر من تغيير لأشخاص ديكتاتوريين بآخرين أكثر ديكتاتورية. ذلك أن الإسرائيليين يعرفون جيدا أن نجاح الثورات العربية في بلوغ أهدافها المتمثلة في إقامة نظم ديموقراطية حقيقية لا يعني سوى شيئ واحد هو انهيار الدولة الإسرائيلية التي ارتبط استمرار وجودها بوجود نظم الحكم العربية المستبدة التي حظيت منها بالحماية على مدى أكثر من ستين عاما.