16 سبتمبر 2025
تسجيلرأى الجار جاره المسن يفتش في الزبالة الموجودة في نفس الحارة (الفريج) فتركه منعا للإحراج، ثم سأله: هل أنت محتاج لشيء ما؟ فكلنا بحسبة أبنائك، وجميع من بهذا الفريج أسرة واحدة. قصة واقعية بطلها رجل أصابه وأهله القحط والفقر وضنك العيش منذ سنوات كثيرة، في الوقت الذي عمت فيه الجزيرة العربية موجات الجفاف. انتقل هذا الرجل طاعن السن مع ابنته وزوجته لعلهم يجدون في المدن القريبة المنتشرة ما يسد رمق الجوع. لكنهم ظلوا بلا أكل لمدة أيام مما اضطر الرجل إلى بيع ابنته في سوق الجواري بأطراف مكة مدعيا أنها خادمته وليست ابنته لعلها تجد المأوى والمأكل والملبس عند سيدها. فرح الرجل باثني عشر دينارا ثمن ابنته، واشترى بالدينارين تمرا له ولزوجته. ولكن المصيبة بدأت تزداد عندما لم يجد الرجل العتال الذي حمل له التمر، ودس يده في جيبه فلم يجد ما تبقى من بيع ابنته. فلا التمر بقي ولا الدراهم ظلت ولا البنت سادت ولا هو أذهب جوعه. ذهب للحرم بجوار الكعبة باكيا يشكو ربه هذه الحال. فالتقى بابنته مع المشتري وجها لوجه وقص عليه القصة. فقال المشتري أما ابنتك فهي لك، ولنقتسم ما لديَّ من أموال الآن بيني وبينك فأخذ الرجل وهو فرحان ابنته وخمسة عشر دينارا. واتجه لسوق التمر وإذا به يرى العتال الذي يحمل التمر ينتظره بعد أن تاه منه في جو من الزحمة وكثرة الناس. فتفحص التمر فإذا به يجد ما فقده من مال قد سقط بين أكياس التمر. فعاد لزوجته مسرورا معه ابنته والتمر وفوقها 25 دينارا. ويتابع الرجل المسن حديثه قائلا: عاهدت ربي بعد هذه الحادثة أن لا أترك طعاما يلقى في المزابل إلا أكرمته ووضعته في مكان مناسب تأكله الدواب والطيور. هذه الحادثة الحقيقية تعكس عدة أمور منها اهتمام الرجل بجاره وحبه له ولزوم تفقد أحواله وضرورة مراعاته والوقوف على حوائجه. والشهور المتتابعة طوال العام هي عبارة عن جيران متلاصقين يجب أن يرعى كل شهر الشهر الذي قبله والشهر الذي بعده. رمضان وقد رحل إلا أن جاره شوال لا يزال مستمرا. ومن الجميل أن نأخذ قبسا من الحبيب رمضان لنبقى على ذكراه النقية في شهرنا الحالي شوال. أليس من إخلاص الحب أن تأخذ أثرا من الحبيب تضمه إليك وتشم رائحته عندما يزداد بك الشوق؟ في الحقيقة نحن بنعمة عظيمة أن متعنا الله بالأشهر المختلفة وميزنا كمسلمين بشهر رمضان الحبيب الذي نبره من خلال إكمال ما لدينا من نواقص تجاهه. صيام الست من شوال بر، والتزام قيام الليل وفاء، وإرخاء اليد بالصدقات هو نوع من الإحسان لهذا الشهر الجميل. توجد دراسة علمية تشرح نظرية الفضيلة ومشكلة هوية الجيرة وكرامته واحتياجاته الفريدة وتلمح على حكاية السامري. وتوجد العديد من السلاسل القصصية التي تروي للصغار أهمية الجار. وقبل ذلك كله حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). اسأل نفسك ما مستوى اهتمامك بجارك في جدولك اليومي أو الأسبوعي أو حتى الشهري؟ حضرت عرسا الأسبوع الماضي وتفاجأت أن بعض الجيران لم يكونوا من المدعوين بحجة أنهم ليسوا على تواصل معهم منذ فترة. معقولة؟ آخر المطاف: لا تجعل نفسك مكان ذلك الرجل المسن الذي يبحث في الزبالة عن الطعام ليحفظه، بل كن أنت سيد الطعام الذي تنفقه في الوجه الصحيح وفي الوقت الصحيح مع الناس الصح. فما المانع من وضع ثلاجات سبيل في الفرجان يوضع داخلها فائض الأطعمة - كما هو الحال في برادات ماء السبيل – يستفيد منها المارة مع حفظ الكرامة. همسة: قلبي عليك أرق من ريشة الطير، يا ليته إن قلت له هد: هدا. دمتم بود. [email protected]