12 سبتمبر 2025
تسجيلهل استطاع أحد من الكتّاب أو الفلاسفة أو المؤرخين أن يأتي بتعريف وافٍ لهذا النبيل الراقي وأعني الحب، أشك في ذلك. عرّفته الزرقاء هند بنت الحسن بن حابس الإيادية وهي إحدى شخصيات سوق عكاظ بقولها: «خفيّ عن أن يُرى وجلّ عن أن يخفى، فهو كامن كمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة من السحر». أمّا إذا دخلنا إلى الأبواب الأدبية بغية العثور على حدّ للحب يقنعك أو يرضيك فإنك لن تفعل شيئاً سوى القبض على الريح. فالمتنبي مثلاً يُعرّفه بأنه «ما منع الكلام الألسنا» وهذا بالحقيقة ليس الحب بتمامه وكماله، أما «فيخته» فيقول: إن «الحب جوهر ممتنع» وبهذا يحوّل الحب إلى ماهية والماهية وجودًا، ولكنه أمر ممتنع أي متعذر الوجود وهنا يُدخل الفيلسوف نفسه في التناقض ويمحو ما أثبت من بدء كلامه. وإذا ذهبنا إلى ابن عربي فنرى الشيخ يقول: لا حدّ للحب يعرف به ذاتياً، ومن لم يذقه شرباً ما عرفه، ومن قال رويت منه ما عرفه، فالحب شرب بلا ري، بل ويؤكد ابن عربي قائلاً: «ليس له حد فينكشف»! فإذا افترضنا أن الحب ما هو سوى مشاركة مع الآخر في سر الوجود لوجدنا أن ذلك ينطبق على الصداقة أيضاً. ويأتي السؤال المهم: هل ينفصل العقل عن العاطفة أم من الضروري أن يتوحدا ويتماهيا كلاهما بالآخر كي يولد الحب؟! وهل كل العواطف بما فيها الانفعالات والنزوات العابرة وصولاً إلى عاطفة الزواج والأسرة هي حب فعلاً؟! أم أن الحب حالة تلقائية شديدة الخصوصية بين اثنين شعرا بشفافية عالية وتكاملٍ لا إكراه فيه ولا غموض بل وعي كلّي بحيث رأى الواحد نفسه في الآخر؟! أخيراً أرى بتواضع: لا بدّ من طرفٍ يُغالبه الهوى/ يقوى بضعفه يستبيك/ إذ كل عشق منك أنت/ فلست تعشق آخر/ بل أنت تعشق ما لديك.