12 سبتمبر 2025
تسجيللم يمر يوم منذ بداية انتفاضة الشعب السوري وإلا سمعنا وقرأنا وشاهدنا مسؤولين عربا ودوليين يطالبون بشار الأسد بضرورة وقف قتل مواطنيه، واخر هؤلاء هو كوفي أنان المبعوث العربي – الدولي للازمة السورية التي يبدو أنها لن تنتهي في القريب العاجل.. واشد ما نخشاه أن يأتي الحل مع آخر رأس لمواطن سوري، وبالتالي لن يجد بشار من يحكمهم سوى عائلته وأنصاره وقادة جيشه. ولكن أن تأتي دعوات من أشخاص يقولون أن مرحلة التدخل العسكري وإسقاط النظام السوري قد انتهت وان الحل لن يكون سوى بالإصلاح والحوار بين السلطة والمعارضة، فهذا كلام اقل ما يوصف بأنه " فارغ".. ولم لا، فالذي تفوه به هو المدعو حسن نصر الله الذي رفض في السابق التحاور مع الحكومة اللبنانية لأنه كان يشعر بأنه أقوى منها بسلاحه الإيراني – السوري.. أما الآن فلم تكن هناك مناسبة معينة ليلقي على مسامعنا وآذاننا هذا الكلام غير العقلاني، ولكنه هنا مجرد بوق لسوريا ولديه رسالة من أسياده في دمشق يريد إبلاغنا إياها مفادها أن حديث التدخل العسكري في سوريا هو احتمال انتهى، ويبرر نصر الله وجهة نظره أو بالأحرى وجهة نظر دمشق التي أبلغته بإرسالها للآخرين.. فالأمريكيون أعجز من أن يحاولوا تسليح المعارضة، وان حكاية إرسال قوات عربية إلى سوريا انتهت، ورأى نصرالله أن إسقاط النظام بالخيار العسكري (من الداخل) أيضا انتهى، والمطلوب حل سياسي. وطبيعي أن ينتشي نصر الله وهو يبلغنا هذا الرأي. كلام نصر الله لم ينته ، لأنه أصبح الناطق باسم الأسد أو بوقه بمعنى اصح، فهو يريد إبلاغنا بان العالم وصل إلى أن المطلوب في سوريا حل سياسي وان على الذين تمنوا سقوط الرئيس بشار الأسد أن يتمنوا شيئا آخر الآن. وتبرير نصر الله لوجهة نظره أن الوضع الإقليمي والدولي تجاوز فكرة الإطاحة بالأسد منذ لحظة وصول كوفي أنان إلى سوريا من دون أن يستند إلى مبادرة الجامعة العربية. هذا يعني أن الأمر انتهى وتجاوز كل الحدود، والمطلوب اليوم لحل الأزمة السورية هو الحوار بين النظام والمعارضة وليس أي خيار آخر. ثم يتحدث نصر الله عن خيار آخر وهو إجراء إصلاحات جدية. وطبعا بإمكاننا معرفة لماذا يدافع نصر الله عن بشار، فهو يرد الدين لمعلمه الأسد الأب في صورة دعم ومساندة الابن. ونترك نصر الله إلى رئيسه السياسي ونقصد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي لا يزال يرى أنه سعيد جدا لان المسئولين السوريين يتعاملون مع الوضع " بشكل جيد.. وأمل أن تتحسن الظروف في سوريا يوما بعد يوم". ولعلي أتساءل ومعي الآخرون :" أي وضع جيد يراه نجاد في سوريا والدولة على وشك الانهيار والشعب يقترب من لحظة الفناء على أيدي ترسانة الجيش السوري؟".. ثم يعلن نجاد ووزراؤه أن إيران على استعداد لتقديم المساعدة لسوريا حكومة وشعبا بهدف تجاوز الظروف الصعبة خاصة من أجل عملية إعمار المناطق المتضررة. ومن الواضح أن نجاد وأعوانه لا يرون أو أصبحوا عميانا، فأي عملية إعادة إعمار يتحدثون عنها وسوريا كلها أصابها الدمار والخراب اللهم سوى بعض القصور الرئاسية وأعوان بشار الأسد. وبمناسبة الترسانة العسكرية السورية التي تستهدف فقط المدنيين من الشعب المسكين وليس العدو الإسرائيلي الذي يحتل الجولان منذ 45 عاما تقريبا. فتقارير المنظمات الدولية تشير إلى أن سوريا أنفقت 167 مليون دولار لشراء أسلحة خفيفة وذخائر من أجل استخدامها في قمع المتظاهرين، وأنها استطاعت خرق الحظر الدولي المفروض عليها، وأنها ما زالت تستورد السلاح بشكل رئيسي من روسيا،. وأكدت منظمة أوكسفام أن قسما من هذه الأسلحة كان له دور مركزي في قمع الحكومة السورية المتظاهرين الذين يطالبون منذ أكثر من عام بتنحي الرئيس بشار الأسد. هذا رغم أن سوريا على المستوى الرسمي تعاني اقتصاديا بسبب استمرار الانتفاضة والعقوبات المفروضة على دمشق، فالعنف والنزاع أثرا في النشاط الاقتصادي خصوصاً النشاط التجاري وتدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة. بالإضافة إلى الحظر الأوروبي على واردات النفط الخام السوري، وهو إجراء ذو تأثير كبير في دمشق، التي كانت تذهب 95 % من صادراتها النفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي، فيما كانت هذه الصادرات تدر على دمشق نحو ثلث عائداتها النقدية. اللافت للدهشة أن النظام السوري أجرى الانتخابات البرلمانية الأسبوع الماضي قبل إجراء الإصلاحات المطلوبة وكأنه يخرج لسانه للمعارضة وخطة السلام العربية، لأن كل الصلاحيات ستظل في يد رئيس الجمهورية في حالة إجراء الانتخابات في هذا التوقيت، وسيكون مجلس الشعب مثل الشاهد الذي لم ير شيئا، خاصة وانه سيحول الرئيس السوري إلى دكتاتور قانوني تصعب محاكمته أكثر من قبل، ويتحول المجلس إلى مجلس للدمى والتطبيل أكثر فأكثر. فالمعارضة ترى الانتخابات مهزلة وأن المشاركة فيها اقتصرت على مؤيدي النظام، ولذا بدت حملات أغلب مرشحي الانتخابات منفصلة عن الواقع الذي تعيشه سوريا، كما أن المرشحين للانتخابات ليسوا معروفين لدى السوريين، وأغلبهم لم يروهم من قبل، وهذا الكلام ليس من عندنا بل ما نشرته بيانات المعارضة السورية في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. ثم يتساءل السوريون أنفسهم :" كيف يجري النظام هذه الانتخابات في هذه الأوقات العنيفة والدموية وقد ضحى النظام بأكثر من 11 ألف شخص قتيل غالبيتهم من المدنيين؟". تساؤل آخر يضاف للذي سبقه :" ماذا قدم المجلس القديم للشعب الذي يمثله؟.. وماذا سيقدم المجلس الجديد للشعب الذي يموت؟". إجمالا.. ليس أمامنا سوى الأمل في أن يسقط بشار الأسد، لأنه كلما سقط بسرعة، بات ممكنا لسوريا أن تنجو من حرب مذهبية وحرب أهلية، وكلما استمر النظام معتمدا على الحل الأمني ازداد الدمار في سوريا.