14 سبتمبر 2025
تسجيلالأخلاق هي عبارة عن منظومة متكاملة من القيم والآداب والسلوكيات الحسنة التي يعتبرها الناس بشكل عام سمة وعلامة للخير في أي شخص، وعدم وجود تلك القيم والآداب في شخص معين يعبر الناس عنه بوصف سيئ الخلق لأنه متجرد من الآداب والسلوكيات الحسنة والأخلاق، كالعقل تماما، فهي من النعم التي يتميز بها الإنسان دون سائر المخلوقات، لأن الأخلاق في حقيقتها شكل من أشكال الوعي الإنساني، فكل ذي عقل لديه وعي أخلاقي بلا شك والأخلاق ترسخ القيم والمبادئ التي تحرك الأشخاص والشعوب لإرساء العدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح الأخلاق عُرفًا تحترمه الشريعة، ويكون مرجعية ثقافية ثابتة لتلك الشعوب، وهو ما يسمى بالعادات والتقاليد المحافظة التي يفخر الجميع بالمحافظة عليها والالتزام بها لأنها بها الكثير من الأخلاق الطيبة. ومن علامات علو مكانة الأخلاق: أنها أول ما يراه الناسُ منك ويُدركونه من سائر أعمالك، فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون كلَّ عباداته اليومية، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذلك فإنهم يحكمون على دِينه وتقواه بِناءً على تعامله وحسن خلقه، فحسن الخلق سجية وطبع في صاحبه لا يمكن تَصَنُّعه أو تَكلُّفه، ولو فعل ذلك لم يدُم طويلًا، فالنفس السوية هي التي يربيها صاحبها على الأخلاق، فتكبر معها، وتصير لتلك النفس طبعًا وسجيةً لا تفارقها طوال الحياة. وقد جاء الإسلام بكل خير لأتباعه، فكانت الأخلاق من جملة الأساسيات التي أكد عليها هذا الدين العظيم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» فكأن مكارمَ الأخلاق بناء شيَّده الأنبياء من قبله وبُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليُتِم هذا البناء المبارك؛ فيكتمل صرح مكارم الأخلاق ببِعثته صلى الله عليه وسلم، ولأن الدِّين بغير خُلق ضياعٌ للرسالة الربانية، وكذلك فإن الأخلاق بغير دِين عبث. والمتأمل في حال الأمَّة اليوم يجد أن أَزْمَتَها وضعفَها وتشرذمها إنما هو بسبب تخلي البعض عن التمسك بالأخلاق التي تربَّى عليها سلفنا الصالح، فلقد ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على الأخلاق، فكان كثيرَ الحث على الالتزام بالأخلاق وتهذيبها؛ فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ» (سنن أبي داود) وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الكبيرة مِن صيام وقيام، فقال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (صحيح الترغيب). بل بلَغ من تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الجنة؛ فقد سُئل صلى الله عليه وسلم عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: «تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ» (سنن الترمذي). وكان سيدًا للأخلاق محبًّا لها صلوات ربي وسلامه عليه، فكان من دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «... وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ» (صحيح مسلم). هذا التواضع من رسولنا الكريم على الرغم من التزكية العظيمة التي زكاه بها ربه قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم: آية 4]. فيجب على كل مسلم ومسلمة التحلي بالأخلاق، وكذلك الإمام والمعلم وكل صاحب رسالة يكون قدوة لمن يسمعه ويتابعه، فليكن كل منا في بيته ومدينته وجيرته ووطنه وأمّته وعمله قدوةً ومثالاً طيبًا في أخلاقه ليكسب الأجور العظيمة من رب العالمين، وليحبه الجميع ويقتدي به غيره بهذا التطبيق العملي قولاً وعملاً. اللهم ارزقنا حسن الخُلُق، وصالح العمل، وثَقِّل اللهم موازيننا بالأخلاق الطيبة يا رب العالمين.. اللهم آمين. [email protected]