12 سبتمبر 2025
تسجيلالمسلم الحق هو الذي يعلن الحرب على الذنوب والمعاصي والآثام فيرجع إلى ربه ويتقرب إلى الله بالطاعة يطمع في المغفرة يرجو الرحمة ويخشى العذاب فيتق ربه ويسمع لنبيه ويبادر ويستقبل الخيرات ولا يتواكل ويسارع ولا يتأخر فإن كان حب الدنيا يعيقكم فلابد من الرجوع إلى الله، فيا خيبة من ضيع منه الليالي والأيام. ويا حسرة من انسلخ عنه الهدى بقبائح الآثام. ويا خسارة من كانت تجارته في الذنوب ويا ندامة من لم يتب إلى علام الغيوب. فإن الله تعالى يحب عباده المتواضعين لأنهم أقوام أرواحهم مشرقة وأفئدتهم عامرة. وقلوبهم مضيئة بنور الإيمان الخالص الذي لا تشوبه شائبة فهم ينكرون ذاتهم لأنهم عقلاء لا يعرفون إلا سيدهم وولي نعمتهم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فأوجد وخلق وأعطى ورزق. فإن الذي يتطاول بعلمه أويتكبر بماله أو يغتر بذاته دائما يبتليه الله بنكبات لا مخرج منها إلا بجهود خاصة تناسب عبقريته وفطنته فقد وكله الله لنفسه ومنع الارتواء عن بستان قلبه فلا سند له ولا ظهير فهو برأسه يدبر حاله كما كان يظن أنه ملك الدنيا وبيده زمام الأمور فإن الله تعالى يوكله إلى نفسه. أما من ستر نفسه برداء التواضعفقد دخل حصن الله الحصين ونوره المبين الذي من دخله كان من الآمنين.إن الانقياد المطلق لحكم الله ورسوله والطاعة الكاملة التي تحقق للمسلم السعادة في الدارين فيفوز في دار الدنيا بالحياة الطيبة الهنية. وفي الدار الآخرة بجنة عرضها السموات والأرض.فكلام الكريم المنان فيه من الفصاحة والبلاغة والجمع للمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة والاشتمال على مهمات الدين من صفات الله التي تجذب قلب من تدبرها إلى حبه فينطق لسانه بحمده وتعلو همته بتوحيده فيفوز برضا الله وتوفيقه. فنعم الله على المرء كثيرة لا تعد فالعلم والمال والذكاء أشياء لا تعابولا تكره إلا إذا امتزجت بجحود أو اقترنت باستكبار وغرور وامتلأ صاحبها بالعجب والتيه فتؤدي به إلى الضلال وتورده المهالك وتكون سببا في خلوده في النار والعياذ بالله. فلقد امتلك قارون القناطير المقنطرة وما عاب أحد ذلك عليه بل طلبوا منه أن يعرف مصدر النعمة ويتوجه إلى المنعم عليه بهذاالفضل بالحمد والشكر وأن يبتغي بماله وعلمه الدار الآخرة مع استمتاعه بالحياة الدنيا. لكنه اختار طريق البغي والبطر ولجأ إلى التعالي والغطرسة وقال كلمته الفاجرة كما وضحت لنا آيات القرآن الكريم يقول الله تعالى: (قال إنما أوتيته على علم عندي) القصص: 78 وهي كلمة المطموس المغرور لذي يحسب الأسباب الظاهرة هي سبب كل شيء ويتناسى قدرة العليم الخبير الذي يعلم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة يدبر الأمر فكل ما يجري في هذا الكون العجيب بتقدير العزيز العليم ولسنا هنا في مقام سرد لقصة قارون مع موسى عليه السلام. ولكننا بصدد التنديد والإنكار على كل من سولت لهنفسه الاستعلاء والفخر والزهو. فحاول أيها المسلم أن تكسب مودة الناس من خلال التواضع لهم، ولين الجانب وخفض الجناح وإشعارهم بمكانتهم وتقديرك واحترامك لهم وعدم التعالي عليهم لأي سبب كان أشعرهم أنك مثلهم، وأنهم أفضل منك في عدة نواحي اجلس حيث يجلسون، فنصيحة لقمان لابنه في التواضع، وهي لكل مسلم ومسلمة وليست لابن لقمان وحده يقول الله تعالى:(ولا تصعر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً)لقمان: 18 وتواضع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رغم أنه أشرف الخلق وسيد الأنبياء، مدرسة نتعلم فيها كيف نكون من المتواضعين فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الناس كان إذا جلس إلى أصحابه لم يميزه الداخل إلى المسجد كان كأحدهم فاحرص على التنافس في الخير فهو مضمار السباق وميدان العمل، واطلب رضا الله وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به وكن أفضلهم في تقواك وعلمك وعملك.فالغرور والكبرياء آفة خطيرة وسرطان نفسي. إذا تغلغل في عقل الإنسان واحتل خلايا دماغه يصبح من العسير بل من المستحيل استئصاله. فيسري في خلايا الفكر ويتلف أنسجة التمييز ويقتل في الإنسان المزايا النبيلة ويدمر القيم الإسلامية ويستبدلها بغرائز دخيلة لا تمت للتكوين السوي بصلة لأنهامعدن غريب لذا فإن امتلاكها أمرا معيبا. فالمغرور يظن نفسه حكيما عليما وأخا تجارب سواء على المستوى الخاص بين أسرته وأهله وعشيرته أو على المستوى العام في بلده ووطنه.فلذلك تراه يعبد ذاته مع أنه يتكلم عن الخالق بكلام مزوق ومنمق، والغرور يوحي لصاحبه أنه أكبر من الحياة وأعظم من سارت به قدم على وجه الأرض. وبما أنه بلغ ذروة التحصيل ولم يعد أمامه مرتقى يستحق السعي تأخذه العزة في الغرور فيبتسم بسمة الاستعلاء ويهنئ نفسه على مقامه الرفيع وتأثيره على الجميع.