17 سبتمبر 2025

تسجيل

كل المظلومين يستحقون اعتذار الدولة سيدي الرئيس

11 أبريل 2012

كان مشهدا يشرف تونس الجديدة حين وقف رئيس الجمهورية د. منصف المرزوقي يعتذر لأسرة الزعيم صالح بن يوسف طيب الله ثراه باسم الدولة التونسية والزعيم الشهيد اغتيل في صيف سنة 1961 في أحد فنادق مدينة فرنكفورت بألمانيا كما اعتذر لأسرة الزعيم الحبيب بورقيبة عما ناله من ظلم بعد الانقلاب عليه سنة 1987 فتم وضعه في إقامة جبرية قسرية أنهت حياته بشكل اضطهاد مجاني لا يليق بزعيم. إلا أنني أتمنى أيضا ألا تتردد الدولة باسم رئيسها الحالي في الاعتذار لكل المضطهدين والمقموعين والمطاردين على مدى العقود الخمسة الماضية أي في عهدي بورقيبة وبن علي. فالوفاء الذي يعبر عنه التونسيون هذه الأيام لبورقيبة بمناسبة ذكرى وفاته هووفاء صادق لزعيم كبير لكن أخطاء بورقيبة كانت أيضا كبيرة ولا يخلومنها عهد من عهود الدول في العالم. والتاريخ نقرأه بعيون الوفاء ولكن كذلك بعيون الحقيقة ورد الاعتبار لكل من ناله عسف أوراح ضحية انتقام. هنا يكمن شرف الدولة العادلة المنصفة الأمينة ولا أحسب الدولة التونسية المنبثقة من شرعية الثورة إلا مؤسسة على العدل والإنصاف والأمانة. إن أول الأسر التونسية التي علينا تقديم الاعتذار لها هي من بقي حيا من أسرة ملوك تونس الحسينيين لأن هذه الأسرة التي عزلها بورقيبة عن العرش وأسس الجمهورية في 25 يوليو1957 تعرضت للإهانة والسلب والنهب دون أي اعتبار لما كان لها من دور وطني مع الملك الصالح محمد المنصف باشا باي الذي اختار أن ينحاز لشعبه ويواجه الاستعمار إلى أن اغتيل مسموما في منفاه بمدينة (بو) الفرنسية وكذلك الملك الصالح محمد الأمين باي الذي اختار لرئاسة حكومته الزعيم بورقيبة وحكومة من الحزب الدستوري وتعرض بعد خلعه لسوء المعاملة والإهانة وزج بأولاده وصهره الوزير محمد بن سالم وبوزيره محمد سعد الله في السجون بتهم كيدية وتوفي الوزير محمد سعد الله في السجن وهوأحد مؤسسي الإدارة التونسية المستقلة كما توفي الملك محمد الأمين في شقة صغيرة بحي تونسي متواضع. ثم إن رئيس الحكومة الأسبق في وزارة الاستقلال طيب الذكر الطاهر بن عمار الذي وقع بيده وثيقة الاستقلال يستحق أهله وأولاده اعتذار الدولة بعد أن انتقم منه بورقيبة بلا سبب وجيه وأودعه السجن حين كان مفتاح السجن بيد بورقيبة وليس بيد القضاء. وبعد ذلك تأتي مأساة اليوسفيين من أنصار الزعيم المرحوم صالح بن يوسف وما أصابهم في أرواحهم وأملاكهم وذريتهم من مظالم ومحومن التاريخ أعقبتها مباشرة ملاحقات اليساريين الشبان من مجموعة (آفاق) وهم من نخبة شباب تونس في أواخر الستينات ومعهم القوميون والبعثيون الذين أحبوا وطنهم لكن بطريقتهم وحسب مبادئهم فطوردوا وسجنوا وتحملوا عقودا من الملاحقات والتهميش والضيم. وحلت منذ سنة 1969 محنة أحمد بن صالح الوزير القوي الأسبق للاقتصاد الذي مسح فيه بورقيبة سكين تورطه الشخصي وتورط حكومته في مغامرة (التعاضد) فحوكم الرجل ظلما ثم نجا بجلده للمنفى ولم يناصره أحد ممن كان في بطانة بورقيبة وحلت لعنة الزعيم بورقيبة على كل من وقف مع هذا الرجل المضطهد وقال كلمة حق في حضرة السلطان الجائر. وأحمد الله أنني كنت من هؤلاء وأنا شاب في العشرين مع رفيقين من نفس السن هما المربي الفاضل عامر سحنون والموظف بعد ذلك في جامعة الدول العربية أحمد الهرقام وهما حيان يرزقان اليوم حين كان محافظ الشرطة حسونة العوادي يستجوبنا يوم 4 سبتمبر 1969 بتهمة الدفاع عن بن صالح وبث البلبلة عفا الله عنه وعنا جميعا. ثم انتهى عهد بورقيبة بمحنة محمد مزالي رئيس الحكومة الأسبق رحمه الله الذي تشرفت بمرافقته في منفاه وتحمل تكالب النظام البائد علينا وعلى أهلنا وعلى أعراضنا لمدة عقدين فصودرت بيوتنا وشتت أولادنا ولوحقنا أنا وهو من منظمة إنتربول سنوات طويلة ورئيس الجمهورية الحالي د. منصف المرزوقي كان أول من شد أزرنا وراسلنا وكتب في الصحف التونسية مقاله الجريء (راكب الأسد) وهو اليوم أجدر من ينصفنا أمام التاريخ وأمام الشباب التونسي الذي لم يعش مأساتنا. إن اعتذار الدولة موقف معنوي وسياسي وقيمي لعله يساهم في كتابة التاريخ الوطني بأكثر أمانة وعدلا وإنصافا.