19 سبتمبر 2025

تسجيل

باكستان والهند.. عنوان الصراع القادم

11 مارس 2019

- المواجهة العسكرية هي الأولى بشكل مباشر بين قوتين تملكان السلاح النووي منذ الحرب العالمية الثانية - السبب الأبرز للأزمة قرب الانتخابات الهندية والتي يتطلع حزب رئيس الوزراء إلى تحقيق فوز كاسح فيها - الولايات المتحدة تستغل الموقف للضغط على حليف صيني كبير وعلى باكستان لتعاون أكبر في مكافحة الإرهاب يحمل التوتر بين باكستان والهند خلال الأسابيع الماضية نذير تفجر بؤرة صراع حساسة في عالمنا اليوم، كانت هذه المواجهة العسكرية هي الأولى بشكل مباشر بين قوتين تملكان السلاح النووي منذ انتشار الأسلحة النووية بعد الحرب العالمية الثانية، وقبلها بشهور بدأ التحرش الهندي في باكستان من خلال الاعتداء على المدنيين عبر الحدود واستهداف مسلمي كشمير من قبل المتطرفين الهندوس، استمرت هذه الاستفزازات حتى وقوع العملية التي أودت بحياة 44 جندياً هندياً في كشمير والتي استغلتها الهند لاتخاذ مجموعة إجراءات ضد جارتها وصلت إلى تنفيذ ضربة جوية داخل الأراضي الباكستانية ما اضطر باكستان إلى الرد بالمثل وانتهت المناوشات بإسقاط طائرة هندية وأسر طيارها الذي تم تسليمه إلى الهند لاحقاً في بادرة حسن نوايا، وحتى الآن يبدو أن التصعيد متوقف بين الجارتين النوويتين، ولكن لماذا حدث ذلك ولماذا الآن؟. هناك العديد من الأسباب غير المباشرة مثل المواجهة بين الصين الداعمة لباكستان والولايات المتحدة الداعمة للهند في ملفات مختلفة والتغير السياسي داخل باكستان ولكن السبب الأبرز الذي يقف خلف الأزمة هو قرب الانتخابات البرلمانية الهندية والتي يتطلع حزب رئيس الوزراء الهندي إلى تحقيق فوز كاسح فيها، هذه الانتخابات تمثل تحدياً كبيراً لحزب الشعب الهندي "بهاراتيا جناتا" القومي الهندوسي الذي يرأسه مودي ويمثل الأغلبية البرلمانية وينفرد بتشكيل الحكومة منذ عام 2014، فالحزب عزز حضوره من خلال البناء على خطاب الخوف من الآخر سواء كان متمثلاً في باكستان أو المسلمين في الهند، كما استفاد بشكل كبير من تصاعد وتيرة التطرف الهندوسي في الهند في تعزيز مكاسبه، اليوم تشير نتائج استطلاع سي فوتر، وهو أول استطلاعات الرأي المنشورة ترقباً لانتخابات أبريل القادم، إلى تفوق كبير لصالح حزب الشعب على غريمه حزب المؤتمر الهندي الذي أسسه غاندي إبان الاستقلال، حيث تشير النتائج إلى إمكانية فوز حزب رئيس الوزراء ب264 مقعداً من أصل 543 مقعداً في مقابل 141 مقعداً لغريمه الأكبر حزب المؤتمر، ويذكر أن حزب الشعب الهندي يعتبر اليوم أكبر أحزاب العالم من حيث العضوية وأكبرها من حيث المقاعد البرلمانية في الهند على المستوى الوطني والإقليمي، ولكن يبدو أن قيادة الحزب متمثلة في مودي تريد السيطرة على المشهد تماماً بعد هذه الانتخابات وهذا بحاجة إلى تعزيز الروح القومية الهندوسية، والقناة الأفضل لذلك دائماً هي الصراع مع باكستان. في المقابل تواجه الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة عمران خان الذي يأتي من خارج المؤسسة السياسية التقليدية تحديات عدة على رأسها الحالة الاقتصادية المتردية والضغط الذي تواجهه البلاد من الولايات المتحدة وجارتها الهند، وهذا غير واقع أن باكستان خرجت للتو من أزمة سياسية كبيرة بعد ما حدث مع نواز شريف رئيس الوزراء السابق وإزاحته بحكم قضائي عن السلطة لذلك لجأت باكستان في الرد على الاستفزاز الهندي إلى سياسة الردع والتهدئة فقامت برد مماثل لكن توقفت عند ذلك الحد ومثلت إعادة الطيار الهندي فرصة مناسبة لنزع فتيل الأزمة، في ظل توازن القوى الحالي ليس من مصلحة إسلام آباد التصعيد في ظل التحديات التي تمر بها البلاد، ولكن نيودلهي ترى المسألة من منظور سياسي بحت حيث قد تمثل الانتخابات ركيزة في إنهاء ثنائية النظام السياسي في الهند لصالح حزب الشعب ما يجعل قادة حزب الشعب حريصة على تصعيد الخلاف مع باكستان والذي يغذي قواعد الحزب الشعبية، ربما يقبل الهنود بالتهدئة ولكن لن يستمر ذلك طويلاً خاصة إذا نجح الحزب في تحقيق فوز كاسح فإنه لا شك سيتبع ذلك بتصعيد جديد ضد باكستان لتثبيت انفراده وطنياً. وخارج حدود طرفي الأزمة يمثل موقف الولايات المتحدة الداعم بقوة للهند استغلالاً للموقف أولاً للضغط على حليف صيني كبير ولكن للضغط على باكستان كذلك لتعاون أكبر في مجال مكافحة الإرهاب والملف الأفغاني وبوجود شخص مثل بولتون في الإدارة الأمريكية ستكون الإدارة أقل تعقلاً في إدارة الأزمة، خلال السنوات الأخيرة كانت الأنظار تتجه لمنطقة الشرق الأوسط كبؤرة صراع محتملة تقودها الولايات المتحدة في ظل خطابها المتشدد تجاه إيران ولكن الأحداث اليوم ربما تقود إلى استنتاج جديد وهو أن بؤرة الصراع الهندي الباكستاني تبدو أكثر سخونة وأقرب لمواجهة مباشرة.