20 سبتمبر 2025
تسجيلالدبلوماسية القطرية تعتمد الحفاظ على التوازنات الكبرى في العلاقات الدولية النمسا تعتبر الجسر الراسخ بين الشرق والغرب قطر والنمسا تنتهجان إستراتيجية الحياد الإيجابي في إدارة الأزمات الدولية حين كنا نتجول في شوارع فيينا النظيفة الأنيقة ونشاهد رايات دولة قطر تنتشر في فضاء هذه المدينة السحرية نعتز كعرب و نفتخر بالحدث بمناسبة الزيارة الرسمية التي أداها صاحب السمو الشيخ تميم لهذه الجمهورية الفيدرالية النمساوية التي تعتبر رمز أوروبا وقلبها النابض و ضميرها الحي. إن محطة النمسا تندرج صلب المسيرة الدبلوماسية القطرية المتميزة الذكية التي تعتمد الحفاظ على التوازنات الكبرى في العلاقات الدولية وهي محطة ذات أبعاد وغايات ليست جديدة طارئة بل تعود العلاقات الدبلوماسية بين قطر والنمسا إلى سنة 1975 تاريخ استقرار أول سفارة قطرية في فيينا بعد سنوات قليلة من استقلال قطر حيث بدأت الدولة الخليجية الناشئة ترسي دعائم علاقاتها الخارجية مدركة بأن النمسا تعتبر الجسر الراسخ بين الشرق والغرب فهي جمهورية فيدرالية تشكلت من تسع ولايات أو أقاليم تسمى (باندسلاند) ترتبط فيما بينها بعلم واحد وبرلمان واحد ودستور واحد ينص على أن النمسا دولة مدنية تنتهج الحياد السياسي مثل سويسرا. إن الروابط بين قطر والنمسا عديدة أهمها ما استعرضته صحيفة (كرونن زايتنغ) حين قالت بمناسبة زيارة حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، بأن الدولتين تنتهجان إستراتيجية الحياد الإيجابي في إدارة الأزمات الدولية و بؤر التوتر الإقليمية، كما أنهما ملتزمتان بوساطات الخير و السلام بين الأطراف المتنازعة في العالم. هذا إلى جانب أن النمسا دولة عريقة وتعتبر عاصمتها أم الدبلوماسية بل حاضنتها الأولى لأن أول وأشمل معاهدة تقنن العلاقات الدبلوماسية وتحدد مفاهيم الحصانة و الأعراف و المعاملات الدبلوماسية تحمل اسم فيينا فقد كانت أول معاهدة في هذا الشأن وقعت عليها سبع دول باسم معاهدة فيينا سنة 1815 لحماية المبعوثين بين الدول من الاغتيال والإساءة وإجبار الدول الموقعة في ذلك العام على ضمان حياة وكرامة وعمل البعثات الدبلوماسية إلى أن تعاقبت التنقيحات الضرورية على نص معاهدة فيينا حتى استكملت بنودها بتوقيع معاهدة 1961 من قبل 190 دولة عضوة في الأمم المتحدة والتي يعمل بها المجتمع الدولي إلى اليوم وهي نفس المعاهدة التي خرقتها الدبلوماسية السعودية مع اغتيال الصحفي الكبير جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية باسطنبول! الأبعاد التي اكتستها المحطة النمساوية في أجندة صاحب السمو الأمير لا تغفل هذا الجانب الرمزي السياسي والحضاري لدور النمسا في إدارة العلاقات الخارجية للدول المتحضرة وهو ما ألحت عليه عديد وسائل الإعلام النمساوية خلال كامل الأسبوع ومنها مجلات عريقة وصحف يومية قيمة وذات مصداقية معروفة بالنزاهة المثالية والموضوعية المهنية فهي وسائل إعلام راقية لا تقبل الرشاوى ولا شراء الذمم ونقلت تفاصيل الزيارة بأمانة ولكن بترحيب خصت به أمير دولة خليجية جلب احترام العالم و خاصة أوروبا لدولته و عدالة قضاياها. وكما نشرت بعض الصحف بعض ما تسرب من المناقشات السياسية بين صاحب السمو وأعلى الماسكين بالسلطتين التنفيذية و التشريعية النمساوية فإن الأمير دافع بإيمان عميق عن شعبه وعن منظومة مجلس التعاون الخليجي من الممارسات التي تستهدفهما بغاية زعزعة هذا الصرح الذي حمى الخليج و نسق بين دوله على مدى أربعين عاما كما ناصر الأمير حفظه الله قضية شعب فلسطين و حقوقه ونبه إلى ما يهدد السلام في الشرق الأوسط بسبب سياسات غمط الحقوق ونكرانها ومحاولات تصفية الملف الفلسطيني تحت دعاوي الإرهاب المزعوم وهو ما أصبح الرأي العام النمساوي يعرفه إلى جانب قطاعات هامة و نافذة من الرأي العام الأوروبي وذلك ما يلمسه الخبراء والمحللون العرب حين يلتقون بزملائهم النمساويين كما التقينا نحن بهم في ندوات أو مؤتمرات مشتركة. لمسنا أن الشعور التلقائي العام هنا هو أن قطر تشق طريقها نحو المزيد من المكاسب بفضل سياسات حكيمة و مواقف ثابتة لا تفرط لا في سيادتها ولا في حرية خياراتها فالتعادلية الدبلوماسية التي تحرص عليها قطر تأكدت في أخر تصريحات أدلى بها وزير خارجيتها المتميز الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى صحيفة (الغارديان البريطانية) الأسبوع الماضي حين قال بوضوح إن قطر غير معنية بما يسمى صفقة القرن ما دامت لا تعزز حل الدولتين بناء على العودة إلى حدود 1967 والتراجع عن فكرة الدولة الإسرائيلية اليهودية العنصرية و ما لم تعترف بالقدس عاصمة لدولة فلسطين القادمة. نعم هذه أركان الدبلوماسية القطرية التي يوجهها بجرأة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم حين أرسى علاقات قوية متوازنة مع روسيا والصين وكوريا الجنوبية وساهم في حل القضية الأفغانية ودعم الدفاع القطري بمنظومة (س 400) وحافظ على التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة وهذه السياسة هي التي تعززت بمحطة النمسا.