16 سبتمبر 2025
تسجيلجاء العصيان الذي نفذه بعض أعضاء الشرطة المصرية خلال الأيام الماضية لتحقيق بعض المطالب التي ينادون بها، ليذكرنا بأمر كاد ينساه الجميع في خضم الصراع السياسي الذي طغى على الساحة السياسية خلال الشهور الماضية وما زال، بين جبهة الأحزاب العلمانية وبين مؤسسة الرئاسة ومن ورائها التيار الإسلامي. هذا الأمر هو الدور الذي تلعبه الدولة العميقة من أجل إسقاط النظام الجديد والقضاء على مكتسبات ثورة يناير. وهو الدور الذي استمر منذ قيام الثورة حتى الآن، لكن ارتفاع درجة حرارة الصراع السياسي جعلته يتوارى قليلا لكن دون أن يتوقف، حتى جاء الإعلان عن عصيان الشرطة في وقت عصيب تمر به البلاد، بسبب حالة الفلتان الأمني سواء بسبب الأحكام القضائية الصادرة في قضية مذبحة بورسعيد أو بسبب سعي المعارضة العلمانية المستمر لنشر الفوضى والعنف في الشارع من أجل إسقاط النظام. فقد عملت المعارضة العلمانية خلال الفترة التي توارت فيها الدولة العميقة على تحقيق نفس أهدافها، حيث أصبح واضحا أن هناك اتفاقا تم إبرامه بين هذه المعارضة وأركان الدولة العميقة، يقوم على تواري الأخيرة عن المشهد السياسي من أجل إفساح الطريق أمام المعارضة التي لم تكن قد انكشفت حقيقتها بعد أمام الرأي العام، لتمارس نفس الدور وتسعى لتنفيذ نفس المهمة. وكان المخطط يقوم على سعي المعارضة لاستخدم العنف والحرق ضد مؤسسات الدولة العامة والخاصة، من أجل إسقاط الرئيس مرسي. ووصل الأمر إلى محاولة اقتحام القصر الجمهوري وقتل الرئيس في أزمة الاتحادية خلال شهر ديسمبر من العام الماضي. لكن فشلها في تنفيذ المهمة بسبب مساندة التيار الإسلامي وجماعة الإخوان لمؤسسة الرئاسة وتصديها لكل محاولات اقتحام القصر الجمهوري، وظهورها بمظهر البلطجي الذي يمارس العنف ويسعى لنشره أمام الرأي العام، جعل الدولة العميقة تعود إلى قيادة المخطط بنفسها بدلا من المعارضة، فوقع أمران: الأول هو صدور حكم محكمة القضاء الإداري بوقف قرار الرئيس بإجراء الانتخابات الإدارية. وهو الحكم الذي خالف كل قواعد العرف القضائي وكل السوابق القضائية فضلا عن مخالفته الصريحة للدستور الجديد. الأمر الثاني هو إعلان بعض عناصر الشرطة تنفيذ إضراب شامل على مستوى الجمهورية من أجل الاستجابة لمطالبهم المتمثلة في إخراجهم من معادلة الصراع السياسي في البلاد وكذلك تسليحهم بأسلحة متطورة من أجل التصدي لعمليات اقتحام مؤسسات الدولة، خاصة الشرطية منها. وبطبيعة الحال فإن هذه المطالب تمثل محاولة جديدة للإيقاع بمؤسسة الرئاسة، فإن وافقت الرئاسة على تلبيتها فيعني ذلك أن يقتصر عمل الشرطة على مواجهة محاولات اقتحام المؤسسات الشرطية باستخدام تلك الأسلحة التي ستؤدي إلى وقوع مذابح يروح ضحيتها المئات، وحينها سيتم استغلالها سياسيا وإعلاميا ضد الرئيس وستكون المطالبة بإسقاطه مطلبا شعبيا. وإن لم توافق الرئاسة على هذه المطالب، سيستمر ضغط الشرطة من خلال استمرار العصيان وزيادة حالة الفلتان الأمني، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الشعور بعجز مؤسسة الرئاسة على تحقيق الأمن للمواطن ويزداد معه الشعور بالسخط عليها والمطالبة بإسقاط الرئيس. والحل كما يبدو من مواقف مؤسسة الرئاسة السابقة، هو التعامل بصبر مع هذه الحرب التي تشنها الدولة العميقة، وانتظار الفرصة المواتية لتوجيه ضربة قوية لها، كما فعلت من قبل حينما وجهت ضربتها للمجلس العسكري وكذلك لمؤسسة القضاء.