13 سبتمبر 2025
تسجيليقول الكاتب " أنيس منصور " في كتابه وداعاً أيها الملل " إن اللغة مربوطة بسلاسل اسمها المنطق " ثم إنه يسترسل في شرح أن هذه السلاسل لا تربط اللغة بل تخنقها، إذاً فالعقل خانق اللغة وعلى ذلك أيضًا فإن لغة عقلية هي لغة مجنونة، وأي معنىً تنقله هو جثة معنى، إذاً فالإنسان الحي يستخدم وسائل اتصال ميتة، ثم إنه يتوصل بظهور الاتجاهات الأدبية والفنية التي تُثبت حقيقة أن كل شيء ممل، سخيف لا معنىً له. لعل الكاتب كان يريد إثبات أن الملل هو الحاكم الذي تسيّد على سؤدد النفس البشرية، وأنه بشكل أو بآخر، هو المحرك للإبداع، للنهضة، أو للقمة ربما. ولكن، لعلّي أؤمن بشكل عميق، أن الملل هو المعنى الحقيقي لزحف العدم إلى أجسادنا، إلى صدورنا نحن البشر، أو العقل الوحيد الموجود على ساحة الوجود. وزحف العدم إلى الوجود هو نسف واضح، وتدمير للثابت والمتحرك، فالثابت منا هي أرواحنا أو علّها الذات، أما المتحرك فهي عقولنا، بجميع ما تحويه من أمل وحلم وأمنية وعلم ومعرفة، وكل شيء قابل للتهيئة والتنشئة والتطوير، كنسخة متقدمة، أو أنه المتحرك المتأخر، كالانحدار والتدمير. إن الملل كمرحلة انتقالية، قد تكون طبيعة بشرية لا بد منها، ولحظات دورية تمر مع ذرات الهواء، تصطدم بنا بشكل عفوي، ثم إننا ندخل في جوها. ولكن النقطة الأهم، أن كيف نحرّك أقدامنا في محاولة للخروج من هذه الهالة التي أحاطت بنا فجأة، كيف نتحيّن لحظة خرقها، قبل وصول العدم إلينا، الغيمة الملوثة باليأس، تلك التي تقتل كل ذرة أمل، الأمل: العدو اللدود، وصديق الحياة. أما نحن كعقول مكلفة، نَعي أن بنا من القوة ما يُنجينا من الغرق كموجودات في العدم المؤقت، إن الملل الذي يبتلع الجمال من حولنا، لن يبتلعنا نحن العين التي تنظر الجمال، لن نصل إلى مرحلة من الجنون باختفاء كل شيء، نحن بالأمل لن نتغلغل كما صورة منصور عندما " الملل ليس هو الاختفاء نفسه، ولكنه شعورنا باختفاء شيء "، تلك اللحظة التي تفتك بالعقل، فيتفشى فيها الوجل، والشك ومن ثم الجنون والهاوية. إننا بوجودنا نود أن نتبرأ من العتمة لنتقمّص النور، نُريد حياة وضاءة تظل تبزغ لا تنطفئ مُذ ساعة الوجود إلى العدم، صدقَا نريد الحالة التي قالت عنها الكاتبة كوليت خوري " سأموت يوماً ما دون إرادتي، كما وجدت دون إرادتي، فلماذا، وقد وجدت، لا أعطي معنى لهذا الوجود؟ لماذا لا أدع هذه الفترة من الزمن التي تفرّق بين ولادتي وموتي تشع بالحرارة؟ "