09 أكتوبر 2025
تسجيلأواصل ما انقطع من حديث عن الملياردير الأمريكي وارين بفِت الذي تبرع بنصف ثروته للأعمال الخيرية، وبقي مع هذا ضمن أغنى ثلاثة أشخاص في العالم، وقلت الأسبوع الماضي إنه لا يحشر أنفه في شؤون إدارة شركاته العديدة، ولا يكتب المذكرات والتعاميم السخيفة التي نفرد لها نحن مخازن كاملة: يرجى العلم بأنني سأكون خارج البلاد في مهمة رسمية لأربعة أيام، وعليه يا ويل من يرسل مذكرة كده ولا كده إلى جهة خارجية (يعني ما شاء الله عليه كان يداوم بانتظام، ونحن ما عندنا خبر، وآخر مرة رأيناه فيها في المبنى كان عندما قام بتغيير أثاث مكتبه!)، وهناك التعاميم التي ظلت وستظل تصدر في أواخر شعبان من كل سنة لتحديد ساعات العمل خلال شهر رمضان الكريم، بينما ساعات العمل في رمضان محددة ومعروفة منذ عشرات السنين ولكن مدير الشؤون الإدارية لا يمكن أن يفوت فرصة تمرير ورقة تحمل توقيعه الكريم وارين بفت لا يتعامل بالمذكرات ولا بالاتصالات الهاتفية.. هل أزيدك من الشعر بيتا: ما عنده هاتف جوال، ويبرر ذلك بقوله إن بإمكانه استخدام أي هاتف عند الضرورة بما في ذلك هاتف السيارة، ورغم أن بفت لا يوجع رؤوس موظفيه بالمذكرات والمكالمات الهاتفية إلا أن لديه تعليمات ثابتة لهم تتكون من بندين: (1) حافظوا على نقود واستثمارات المساهمين ولا تتسببوا في خسارتهم (2) لا تنسوا البند (1) أبداً!! وبعد يوم عمل مضن وشاق يتابع خلاله من بعد أداء العشرات من شركاته يعود الى البيت ويصنع بنفسه الفشار/البوشار، ثم يجلس أمام التلفزيون، وطبعا لا علاقة له بالحفلات التي يعشقها عادة "المشاهير" ولا يخجل من قول ان بيته وليس شركاته مملكته، وبالتالي فلا غرابة في أن عشرات الآلاف من الأمريكان يزورون سنويا البلدة الصغيرة التي نشأ فيها بفت للقائه والدردشة معه وسؤاله عن كيف يدير أعماله، هؤلاء ليسوا بلهاء بل هم من الملايين الذين استثمروا أموالهم في شركات بفت فجعل منهم أغنياء. خلاصة أفكار بفت هي أن البساطة في كل شيء تعطي أفضل النتائج، فإذا كنت أنت وزوجتك فقط تقيمان معا، فبيت بثلاث غرف يكفيك حتى لو كنت تملك ألف بيت.. يعني بلاش سفه وبطر.. وطالما أن لديك سيارة في حالة جيدة فلماذا تشتري فوقها سيارة أخرى أو تبيعها لتشتري غيرها؟ يقول بفت إنه حتى في الملابس لا يأبه بـ"الماركات"، بل لا ينظر أبدا إلى الجهة التي صنعت القميص أو البنطلون، لأن كل ما يهمه هو ان تكون الملابس مريحة. بعبارة أخرى فإن من يريد جمع ثروة وبلوغ الغنى عليه أن يحترم القرش الواحد حتى لو صارت عنده بلايين القروش، والنقود لا تصنع الإنسان بل الإنسان هو الذي يصنع النقود. وينصح بفت من يدخلون مجال العمل الحر والتجارة بالاستماع جيدا لما يقوله الآخرون، ولكن دون أن يعني ذلك أنهم ملزمون بالعمل بمقتضى ما يقوله أولئك الآخرون، أي افعل ما تراه أنت صحيحا، بعد استقراء الواقع ودراسة تجارب الآخرين، فأن يكون شخص ما فشل في مجال معين، لا يعني أن كل من يدخل ذلك المجال سيفشل، (هذه حقيقة بديهية تعلمتها في سن مبكرة فبسبب ضعفي في مادة الرياضيات وكرهي لها كنت أوصف بـ"الفاشل" من قبل بعض المعلمين، وبعضهم قال إن "مستقبلي زي الزفت"، وفي نفس الوقت كنت أظن أن الرياضيات علم لا جدوى من التبحر فيه: تعرف تجمع وتطرح وتقسم وتضرب؟ كفاية وبالزيادة! ولا لزوم لحساب المثلثات والجبر وجدول اللوغريثمات الذي لو كان رجلا لقتلته.. وعرفت لاحقا أنه لولا علماء الرياضيات لما عرفنا 80% من الاختراعات والاكتشافات التي جعلت الحياة سهلة وناعمة ويقول بفت إنه لم يسمح قط للآخرين بالتحكم في حياته "لأن حياتي تخصني وحدي".. وسألوه: من الواضح انك غير مواكب للحياة العصرية وتحرم نفسك من الكثير من أدوات الرفاهية فلماذا؟ فكان الجواب: أن أنفق نقودي على من يحتاجون إليها خير من أن أبددها فيما لا نفع من ورائه.. ما جدوى موبايل مرصع بالماس قيمته 100 ألف دولار في حين أن الموبايل أبو 1000 دولار يقوم بنفس المهمة،.. ثم اختتم إجابته بحكمة ينبغي أن تعلقها حلقاً أي قرطا في أذنك: ليس أسعد الناس من يملكون "الأفضل"، بل من يدركون قيمة ما يملكون، وهكذا تجد شخصا يحس بالنشوة كلما ألقى نظرة على سيارته الكورولا موديل 1999 بينما غيره لديه فيراري ويستخدمها وكأنها "كارو".. لأنها في نظره أنتيكة وتحفة ولعبة جميلة مصيرها الأرشيف لتأتي بدلا منها لامبورغيني أو رولز رويس لتلقى نفس المصير والمعاملة. [email protected]