30 أكتوبر 2025
تسجيلإن المرء القوي يستخدم قوته فيما يحب الله تعالى ورسوله؛ لأن المؤمن القوي في بنيته يستطيع أن يؤدي العبادات التي فرضها الله عليه ويستطيع أن يقوم بالنوافل التي تقربه من ربه، مما يجعله يستطيع أن ينفع الناس، وأن يعينهم على الخير، فالقوة إذا سخرت في الإيمان ما أروعها، لذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفصل القوة عن الإيمان، إذ لو انفصلت لكانت القوة أداة شر وأداة تدمير، فالقوة يجب أن يسبقها الإيمان كي توجه توجيها صحيحا، فإذا كان إنسان قويا رياضيا واستخدم هذه القوة للعدوان على الناس أو لإرهابهم، أو لأخذ ما ليس له بحق، فإنها قوة شريرة، ولذا فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي به الناس، بل تجده يحرص أشد الحرص على التحلي بحسن الخلق ونفع الناس، وأن يكون كالنخلة التي يرميها الناس بالحجارة فترميهم بالثمار، لذلك تجده دائما يزن الأمور بميزان الأخلاق والإيمان، ولا يقصر في حق أحد لأنه يعلم أن ربط البواعث الخلقية بالإيمان بالله تعالى، ويعلم أن الله عز وجل مطلع على الخفي من الأسرار فيستحي منه، قبل حيائه من الناس المطلعين على الظاهر من أخباره، وهذا الحياء من الله هو مفرق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم.فإن منازل الرجال في الآخرة من السعادة والشقاوة على حسب منازلهم في الدنيا وتقربهم فيها بالإيمان والعمل الصالح، فابدأ كما ولدتك أمك حرا طليقا من أسر الهوى نظيفا من الذنوب والآثام، ولتكن صاحب نفس راضية وقلب مطمئن يطفئ لوعة المعصية بالتوبة الإنابة والخشية لله تعالى يبهر العقول بأدبه الجم وأخلاقه السامية التي حقا يقال عنها إنها أخلاق الرجال الذين يعطون لكل ذي حق حقه، فلا يطغي حق على آخر، فلا يكون مفرطا في مسؤوليته وإنما يزن الأحوال بميزان الدين والإيمان، ويعتبر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله) رواه الترمذي، فقلوب الرجال متفتحة دوما إلى الاستغفار والإنابة مستروحة نسمات الطاعة والهداية، فلا تكن سلبيا أمعه وتقول لنفسك إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن لابد أن تكون لك وقفة مع نفسك وتأخذك الحسرة على ذنوبك وتبكي عليها ليلك نهارك وتصحبك موجات من الندم وتبيت ليلك تتأوه حزنا وألما على ذنبك وتتضرع إلى الحكيم الخبير وتسارع إليه بالتوبة قبل فوات الأوان، ولا تجعل هذه النشوة المؤقتة تذهب بك إلى منزلق خطير وتطيش بك إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام فتنسيك نفسك وتفسد عليك أمرك وتكون من أصحاب قول الله تعالى (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) الحشر 19، فالرجل الحق هو الذي يلجأ إلى ربه الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ولابد أن يعلم مهما كانت ذنوبه عظيمة فإن الله يغفرها جميعا ما لم يشرك به وليعلم أيضا أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن معرفة الله أول طريق السالكين ومنطقة سبيل المسترشدين والحصانة من كل سوء والأمان من كل زيغ، إنها أزكى التحيات وأجملها وأطيبها وأنداها، لذلك المؤمن الذي خشع قلبه لربه وتحلى بالتقوى في زمانه فسار على درب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا تحت قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطَّهرين) التوبة 108.