15 سبتمبر 2025

تسجيل

استراتيجيات الثورة المصرية ومرحلة تثوير المجتمع

11 فبراير 2011

دخلت الثورة المصرية يوم الثلاثاء 8 فبراير مرحلة جديدة في إطار سعيها لتحقيق أهدافها، خاصة هدفها الرئيس المتعلق بإسقاط النظام المصري وبناء نظام سياسي جديد يقوم على أسس عصرية من حيث الديمقراطية وحكم القانون. تمثلت المرحلة الأولى لهذه الثورة المباركة في كسر حواجز الخوف والقهر التي راكمها النظام السياسي الحاكم في مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش المصري في العام 1952، والتي بلغت أوجها خلال سنوات حكم الرئيس حسني مبارك، حيث شهد المجتمع المصري تدمير منهجي لكل القوى الحية التي تستطيع أن ترفع صوتها في مواجهة سياسات النظام التي حولت مصر إلى مجرد قزم تابع للسياسات الأمريكية الصهيونية في المنطقة. وجاءت الثورة التي بدأها الشباب في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي لتزيل كل تلك الحواجز. وقد حققت نجاحا باهرا حيث استطاع شباب الثورة إسقاط أقوى منظومة أمنية قمعية في منطقة الشرق الأوسط كان يرتكز عليها نظام مبارك خلال ساعات معدودة، وذلك في جمعة الغضب يوم 28 يناير. واستكملت نجاحها هذا عبر صدها لفلول هذا النظام الأمني الذي شن غارته التي تعرف بموقعة "الجمل" يوم الأربعاء الأسود 2 فبراير، التي استخدم فيها الجمال والخيول والحمير إضافة إلى آلاف البلطجية في مواجهة المعتصمين في ميدان التحرير. وقد سقط خلال هذه المعركة التي لم يكن يملك المعتصمون خلالها سوى سلاح الإيمان بحتمية النصر على النظام وكل قواه وتحقيق أهداف الثورة، أحد عشر شهيدا وحوالي 2500 جريحا في حوالي تسع ساعات من القتال المستمر. بعد تكسر حواجز الخوف والقمع بدأت فئات من المجتمع تنضم لشباب الثورة حيث شهدت القاهرة ومعظم محافظات الجمهورية، الثورات المليونية التي هزت بقايا النظام الساقط ودفعته لتقديم التنازلات يوما بعد يوم. ولكنها كانت تنازلات شكلية ولم تصل إلى صلب مطالب الثورة وذلك في إطار استراتيجية النظام الساعية إلى كسب الوقت من أجل استعادة قوته تمهيدا لمحاولة القضاء على الثورة. مع رفض الثوار الشباب لكل التنازلات التي قدمها النظام وتمسكهم بمطالبهم الأساسية التي وضعوها منذ اللحظة الأولى للثورة، وفشل النظام في استمالة أعداد كبيرة من المواطنين المصريين للالتفاف حوله عبر الخطاب الإعلامي المضلل الذي كانت تبثه وسائل الإعلام الرسمية، بدأت المرحلة الثانية من الثورة والتي تمثلت في السعي لتثوير المجتمع المصري، بما يعني إدخال كافة فئات المجتمع ومؤسساته في الثورة على النظام الساقط. وهو ما تحقق بالفعل يوم الثلاثاء الماضي حيث شهدت مصر من أقصاها إلى أقصاها، مظاهرات مليونية شملت كافة طوائف المجتمع بلا استثناء، حيث شهدنا محافظات ومدن مصرية تخرج للمرة الأولى للمشاركة في هذه التظاهرات، كما شهدنا مؤسسات تعلن عن تنظيم الإضرابات والاعتصامات في خطوة استباقية لمرحلة العصيان المدني الذي تحضر له الثورة المصرية من أجل إجبار النظام على الرحيل. في هذا السياق شهدنا أيضا النقابات العمالية تعلن دخولها مرحلة التثوير، حيث قام عمال العديد من الشركات والمصانع بالإعلان عن إضراب مفتوح عن العمل لحين تحقيق أهداف الثورة. كما أعلنت العديد من النقابات المهنية بمشاركتها في فعاليات الثورة. وكانت البداية مع طرد رجال النظام البائد منها والإعلان عن عقد جمعيات عمومية لانتخاب قيادات جديدة تعبر عن روح الثورة. حدث هذا في نقابات المحامين والصحافيين وغيرها. كما قام الجزء الأكبر من العاملين في وسائل الإعلام الرسمية بالتظاهر رفضا للأكاذيب التي يبثها هذا الإعلام في مواجهة الثورة. وقدم العديد منهم استقالاتهم وأعلنوا عن تشكيل لجنة إعلامية موحدة لمساندة الثوار المصريين. ومع تحقيق هذا النجاح الكبير في مرحلة تثوير المجتمع، تقترب الثورة المصرية من مرحلتها النهائية المتمثلة في القضاء التام على ما تبقى من النظام الساقط، عبر خروج أبناء الشعب المصري في مظاهرات بعشرات الملايين، والتي ستبدأ يوم الجمعة القادم التي سميت بيوم "الطوفان" أو يوم "الزحف" في إشارة إلى إمكانية استعجال عملية الزحف الشعبي نحو القصر الجمهورية لإجبار مبارك بالقوة على الرحيل. ربما من هنا يمكن فهم التصريحات المتشنجة لنائب الرئيس في النظام الساقط عمر سليمان الذي أكد أن هناك سيناريوهان للأحداث: الأول يتمثل في قبول الثوار بما قدمه النظام من تنازلات والثاني يتمثل في حدوث انقلاب عسكري. لكن تهديدات سليمان لا يلقي لها الثوار بالاً لأنها تنطلق من أرض رخوة لا تستطيع الصمود. فالجيش المصري جيش وطني ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطلق النار على المتظاهرين إذا ما سعوا لتنفيذ مخططهم بطرد مبارك بالقوة من القصر الجمهوري، وقد أعلنت ذلك قيادته صراحة في بداية الثورة، فضلا عن أنه لن يستطيع في حال قرر التخلي عن وعده هذا وقام بفتح النار على مواجهة ملايين المصريين.. فهذه الملايين التي خرجت لانتزاع حقوقها التي اغتصبت على مدار أكثر من ستين عاما لن تعود إلى بيوتها إلا بعد الحصول عليها حتى لو أدى ذلك إلى استشهاد هذه الملايين.