10 سبتمبر 2025
تسجيلالمجال الحيوي اصطلاح سياسي عن نفوذ الدولة تعرفه ببساطة حين تعود إلى التاريخ، وترى كيف امتدت الدول الصاعدة إلى ما حولها وتجاوزته، حين صارت قوتها أكبر من مجالها الخاص، فتقفز إلى الدول المحيطة لاحتلالها. بالضبط كشخص لا يستطيع الوقوف بين الزحام، ويريد أن يمدد ذراعيه ويلتقط انفاسه، بعد أن يترك حافلة مزدحمة بالواقفين والجالسين، فمع الفضاء يشعر باتساع العالم ويسرع في خطواته. هكذا رأت الدولة الفارسية يوما ضرورة ذلك، ووصلت إلى فلسطين ومصر واليونان بعد أن تمددت في العراق القديمة. وهكذا رد اليونانيون مع الإسكندر الذي وصل إلى فارس ومصر وحدود الهند. وهكذا فعلت الدولة الرومانية التي وصلت إلى مصر والشام، وفعلت الدولة الإسلامية التي وصلت إلى الأندلس عبورا بشمال أفريقيا، ومن ناحية الشرق إلى الهند. وهكذا فعلت الدولة العثمانية وبعدها الدول الاستعمارية في العصر الحديث، فوصلت انجلترا إلى أمريكا الشمالية وأسبانيا والبرتغال إلى أميركا الجنوبية، ووصلت إيطاليا إلى أفريقيا، واتسع هتلر النازي في أوروبا، والأمثلة كثيرة من التاريخ. بل ان سلطنة عُمان كانت يوما تمتلك معظم الساحل الشرقي لأفريقيا فضلا عن ساحل الخليج العربي، وكانت لها امبراطورية كبيرة. الأصل في المجال الحيوي هو اتساع النفوذ، فهذا ما تقتضيه قوة الدولة الصاعدة. تغيّر الأمر مع ظهور حركات الاستقلال، وأخيرا مع ظهور طرق أخرى للنفوذ، مثل السيطرة الاقتصادية أو العلاقات المختلفة في مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية. لم تعد الدول القوية تحتاج الى احتلال غيرها باستثناء الدولة الصهيونية، التي تقوم على وهم قديم نسجوه عن أرض الميعاد خلال السبي البابلي، بعدما اتسع مجال الفرس إلى فلسطين وأخذوهم سبايا. بالمناسبة لم تفرغ فلسطين وقتها من أهلها فهم لم يكونوا أهلها الوحيدين. تتعامل إسرائيل بالمنطق القديم الذي تغير في العالم، ولم يعد حتى يكفيها تأثيرها على بعض الدول بما يسمى بالتطبيع. ليس لأنها تعرف أن التطبيع يتم بين الحكومات بينما الشعوب العربية خارج المعادلة، لكن لأنها تقوم على وهم قديم يحتاج آليات قديمة، ولا تدرك حتى حالتها السياسية التي تتباهى بها ومن يؤازرها من الغرب، باعتبارها دولة ديموقراطية! يأخذني الحديث إلى حالتنا في مصر، وكيف كان المجال الحيوي للدولة القديمة يمتد جنوبا إلي منابع النيل متجاوزا أثيوبيا، وكيف كان في عصر الملكة حتشبسوت نفوذ مصر يمتد إلى هناك واستمر، كما يمتد شمالا الى الشام ويصل إلى شرق العراق. لم ينته الأمر مع الغزوات والفتوحات لمصر من الدول الصاعدة. وحين صارت هناك دولة مصرية مستقلة بعد تفسخ العصر العباسي، قامت الدولة المصرية بذلك في زمن المماليك، وبعدهم في عصر محمد علي وأولاده. من يقرأ تاريخ النيل يعرف كيف دبرت انجلترا المؤامرات لإبعاد القوات المصرية عن تواجدها في منابعه في عشرينيات القرن الماضي، وعن تواجدها في السودان. انهار الوجود المصري هناك بعد ذلك رغم استقلال مصر. مؤلم الآن أن نكون غير مؤثرين فيما يحدث من تمزق في السودان، وفيما يحدث من إبادة لأهل غزة، وفيما يحدث في ليبيا من نزاعات، وكلها تدخل في مجالنا الحيوي، لكن هذا التقوقع المصري لا يجب أن يجعلنا ننسى ما تفعله أثيوبيا الآن من بناء سد يزداد كل يوم ارتفاعا، وينذر بأن يكون مفتاح المياه في يد أثيوبيا حتي لو فاضت في بلادهم عن حدها المطلوب. كيف لا تجد مصر وسيلة حتى الآن لإيقاف ذلك بالطرق العصرية أو التقليدية؟ هو الأمر العجيب المؤلم، وتقوقعنا عن مجالنا الحيوي لا يكفي أبدا مبررا لذلك.