11 سبتمبر 2025
تسجيلثمة من يحاول أن يقلل من الحراك الشعبي المدهش في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة بوصفه مجرد هبة جماهيرية أي أنها حركة محدودة وسرعان ما تذوب تحت وقعات ضربات سلطة الاحتلال. بيد أن المراقب عندما يتأمل ما يجرى منذ مطلع شهر أكتوبر الماضي يرصد أن ثمة إصرارا على المقاومة لدى شرائح الشباب الفلسطيني على نحو يعكس إرادة قوية في الاستمرار حتى يمكن دفع الاحتلال إلى الإقرار بعجزه عن المضي قدما في مخططاته الاستعمارية الاستيطانية والقتل الممنهج لأن الكلفة تتجاوز قدراته. وفي هذا السياق وحتى لا تكون ملاحظتي محض استنتاج مراقب بعيدا عن حقائق المشهد الداخلي في فلسطين فقد سألت الدكتور مصطفى البرغوثي وهو واحد من أبرز القيادات السياسية التي تتسم بالمصداقية والنزاهة النضالية – إن جاز لي القول – ويرأس المبادرة الوطنية عن حقيقة ما يجري في فلسطين فأجابني خلال زيارة للقاهرة قبل أيام إنها انتفاضة بكل تأكيد.وليس هبة كما يحلو للبعض أن يصفها.. ويبرر ذلك بقوله: إن ما يجري يعكس تحولا في الرؤية السياسية والحالة النفسية في فلسطين. يستند إلى الإدراك بأن "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".. وأن المراهنة على المفاوضات مع الاحتلال فشلت فشلا ذريعا. بعد 23 عاما من انطلاقها والتي استخدمتها إسرائيل للتوسع الاستيطاني.. وأن اتفاق أوسلو قد فشل باعتراف أصحابه. ومن ثم لم يعد من سبيل أمام الشعب الفلسطيني سوى تغيير ميزان القوى عبر المقاومة الشعبية الواسعة. وحركة الانتفاضة وفرض العقوبات على إسرائيل. ودعم الصمود الإنساني على الأرض والسعي لتوحيد الصف الوطني. وفي ضوء هذه المعطيات يفهم أن هذه الانتفاضة الثالثة تمثل تمردا لجيل الشباب. على واقع التمييز والفصل العنصري (الأبار تهايد) الذي أنشأته إسرائيل. ورغم فداحة الخسائر حيث استشهد ما يقرب من 150 فلسطينيا وجرح أكثر من 13 ألفا آخرين. ومع ذلك فإنها مستمرة وسيتواصل زخمها حتى تحقق أهدافها. اعتمادا على أهم تجلياتها المتمثلة في المظاهرات الشعبية الواسعة. وسألته متخوفا: لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي توظف عمليات الطعن بالسكاكين التي يلجأ إليها الشباب الفلسطيني ضمن مفهومها للإرهاب وهو ما قد يحظى بدعم دولي تجسد في مواقف الإدارة الأمريكية التي رأتها أعمال عنف وأنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها؟ فعقب البرغوثي: إن إسرائيل تتهم الفلسطينيين دوما بالإرهاب. فلوا تحدث أحدهم مطالبا بالحقوق المشروعة. ودون أن يمارس أي فعل يتهم على الفور بأنه إرهابي ويحرض عليه. وقبل انبثاق الانتفاضة الراهنة وصفت سلطات الاحتلال حركة المقاطعة في الأراضي المحتلة. بأنها إرهابية ولا سامية رغم أنها حركة سلمية. والمقاومة الشعبية تجابه من قبلها بأشرس أنواع العنف وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين. وعلى أي حال فإن العمليات الفردية التي وقعت على هذا الصعيد. يجب أن يتم قراءتها باعتبارها تعبيرا عن حالة يأس وإحباط شديد نتيجة القمع الإسرائيلي. وهي لا تمثل إلا أحد مظاهر الانتفاضة وليس جميع مظاهرها. وإسرائيل لا تريد سلاما لكنها تريد ضم وتهويد كل الأراضي الفلسطينية. وبشكل خاص القدس والمسجد الأقصى.ولاشك أن وقائع الانتفاضة تشكل مصدرا لإزعاج وقلق. ليس لقطعان بني صهيون. فذلك أمر طبيعي. ولكن للولايات المتحدة الراعي الرئيسي لهؤلاء القطعان وهو ما تجلى في مسارعة جون كيري خلال ديسمبر المنصرم بزيارة الأراضي المحتلة. بهدف ممارسة ضغوط على القيادة الفلسطينية لوقف ما وصفه آنذاك بالعنف. دون أن يمارس الضغوط ذاتها على قادة الكيان. بل وصف ما تقوم به قوات الجيش والأمن وقطعان المستوطنين. من أعمال قتل ممنهج ضد الشباب والشابات والأطفال أيضا. فضلا عن الاعتقالات العشوائية لكل من يشتبه بأن يحمل سكينا. أو حتى قلامة أظافر. بأنه دفاع عن النفس. أي خلل في منظور رجل الدبلوماسية الأول في الدولة الأهم في المعمورة. لكنه العمى السياسي والإستراتيجي إلى جانب كونه استجابة للابتزاز الصهيوني. الذي يهيمن عبر جماعات ضغط عديدة تابعة له في واشنطن على مفاصل مؤسسات صناعة القرار. ومع ذلك فإن ضغوط كيري لم تفلح في إثناء الشباب الفلسطيني عن مواصلة حراكه المقاوم ذي الطبيعة السلمية. على عكس ما تروج له الآلة الإعلامية الصهيونية. من أنه يلجأ لأساليب عنف أو غير ذلك. فقادة الكيان وزمرته العسكرية والأمنية. إلى جانب قطعان المستوطنين الذين يستحوزون على مواقع وزارية وإدارية مهمة. لا يقبلون بفكرة امتلاك الشعب الفلسطيني القدرة على المقاومة. ولو عبر التظاهر في الشوارع أو حتى باستخدام الحجر أو المقلاع. أو السكين عند حالة الاضطرار. لأن المقاومة في حد ذاتها يعتبرونها إهانة لكيانهم الذي يزعمون أنه قادر على تحقيق أهدافه عبر ترسانته الحربية التي تقوم الإدارات الأمريكية المتعاقبة. دون كبير تمايز بين جمهوري أو ديمقراطي. بملئها كلما فرغت أو تزويدها بالأحدث كما احتاجت أو حتى دون أن تكون ثمة حاجة.إن هذه الانتفاضة ولدت لتبقى. حتى وإن لم تتخذ نفس أشكال الانتفاضتين السابقتين في 1987 و2000. ما دام الاحتلال يرفع سيفه ولا يقر بحقوق شعب اغتصبت بالقوة.