16 سبتمبر 2025

تسجيل

حرب على الحضارة (1-2)

11 يناير 2015

لا يمكن تبرير الهجوم المسلح الذي استهدف جريدة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، فاللجوء إلى العنف في معالجة المشاكل لا ينتج إلا المزيد من العنف، ويدخل الجميع في دائرة عمليات القتل المتبادل، وهذا النوع من الحلول مرفوض تماما. لكن هذا المعيار ينبغي أن يكون موحدا على الجميع بلا استثناء، فكما نرفض قتل الآخر، من أجل تسوية الاختلافات والخلافات، فإننا نرفض أن يتم قتل "نا" أيضا بنفس المعيار، وعلى الآخر أن يتوقف عن قتلنا ماديا ومعنويا.وبعيدا عن هيمنة "الصوت الواحد" في التعامل مع هذا الهجوم المسلح، إلا أن هناك وجها آخر لما جرى لابد من التركيز عليه أيضا، فهذه الجريدة سخرت من الإسلام وأهانت رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة "استفزازية غبية"، ولم تحترم نبي الإسلام الذي يتبعه 1.6 مليار مسلم، والقائمون على الصحيفة يدركون أن هذا الاستفزاز والتطاول لابد وأن يثير ردود فعل مضادة، وهو ما حدث فعلا.التطاول على الإسلام ورموزه ومقدساته تحول إلى "سوق مزايدات" لكل من يريد أن يهاجم عقيدة ربع البشرية، وهو ما لا ينطبق على الأديان والعقائد الأخرى التي تحميها القوانين، وكلنا نتذكر كيف تم سجن العالم روجيه غارودي لأنه شكك بأرقام ضحايا الهولوكوست، لأن القانون الفرنسي يحرم مناقشة الهولوكوست التي يعتبر "مسلمة من المسلمات" وخارج النقاش على الرغم من أنه ليس عقيدة دينية، فلماذا يتم حماية اليهود من حتى النقاش العلمي وليس السخرية، ويترك الإسلام عرضة للسخرية والاستهزاء والتحريض؟إلا أن ما يلفت الانتباه هو نوعية الأوصاف التي تعاملت مع الهجوم على جريدة "شارلي إيبدو"، فقد وصفه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بأنه "عمل همجي بربري يمس بحرية الإعلام في فرنسا وهجوم من قبل "همج" ينكرون الحضارة والقيم الإنسانية العالمية".. واعتبر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الهجوم "حربا ضد الحضارة والتحضر"، وكتب الرئيس الأمريكي باراك أوباما "باسم كل الأمريكيين أعبر للفرنسيين عن تضامننا بعد هذا الاعتداء الإرهابي الرهيب في باريس، وبصفتنا حلفاء عبر العصور نحن متحدون مع أشقائنا الفرنسيين لضمان تحقيق العدالة.. نحن نتقدم معا ومقتنعون بأن الإرهاب لن ينتصر على الحرية وعلى قيمنا وعلى القيم التي تنير العالم. فلتحيا فرنسا!". ووصف وزير خارجيته جون كيري الهجوم بأنه" جزء من مواجهة أكبر بين الحضارة والذين يرفضون العالم المتحضر".كما هو واضح من أوصاف القادة الغربيين فإن هذا الهجوم عمل "بربري وحشي همجي ينكر الحضارة والقيم، وحرب ضد التحضر وهو صراع حضارات بين المتحضرين ومن يرفضون الحضارة"، وهذا يعني بلغة أخرى أن هذا الهجوم ليس جريمة عادية أو حتى عملا "إرهابيا"، كما حدث ويحدث في كل أنحاء العالم، بل حرب تشنها "كائنات دموية متخلفة تنتمي إلى درجة أدنى ضد البشر المتحضرين الذين ينتمون إلى الجنس المتفوق، وهي ليست عملا فرديا أو حتى من مجموعة صغيرة بل حرب حضارية من الإسلام ضد الغرب كله وقيمه.هذه هي الترجمة الحقيقية لهذه التصريحات التي تعاملت مع الحدث بوصفه هجوما حضاريا يستهدف القيم الغربية، وربما كانت الصحافة الغربية أكثر وضوحا في تعليقها على ما جرى وهو ما سأناقشه في الجزء الثاني من هذا المقال.