19 سبتمبر 2025

تسجيل

هل بدأت حرب الحضارات بقرصنة القدس!

10 ديسمبر 2017

يخشى الحكماء في العالم ومنهم نزهاء اليهود من تداعيات قضية بيت المقدس، وزلزالها العنيف وتهديدها للسلام العالمي، وسبب خشيتهم هو ما يتوقعونه من مخاطر تحويل الأزمة السياسية الإقليمية إلى حرب دينية كونية، وخوفهم مشروع لأن أي أزمة سياسية بين الشعوب يمكن معالجتها في حين أن تصادم العقائد الروحية والعدوان على وجدان أمة ليس لهما حل وأسطع مثال في التاريخ استمرار الحروب الصليبية بين المسيحية والإسلام على مدى قرنين كاملين أو تواصل حرب الطوائف المسيحية ما بين بروتستانت وكاثوليك في أوروبا على مدى قرن وربع، وهنا لابد من استحضار رؤية استشراقية قدمها المفكر الأمريكي من أصل يهودي (صامويل هنتنغتون) في دراسته الشهيرة (صدام الحضارات) التي نشرها في مجلة (فورين أفارز) سنة 1993، وأكد فيها أن الحروب القادمة ستكون بين الحضارات المؤسسة على أديان. كنت شخصيا من أوائل من رد على المفكر الأمريكي فأصدرت كتابي سنة 1994 عن وزارة الأوقاف القطرية بعنوان (الإسلام وصراع الحضارات) ضمن سلسلة كتاب الأمة. ورغم أن الأفكار التي جاء بها (هنتنغتون) على غاية من الأهمية فإن رواجها والردود عليها جاءت من الغرب نفسه ولم تثر لدى الأكاديميين المسلمين ومراكز بحوثهم اهتماما يرقى إلى مستوى التفكير والاعتبار في حين أن المستهدف من صراع الحضارات هو العالم الإسلامي دون سواه. أما اليوم بعد ربع قرن من صدور كتاب (هنتنغتون) يستفيق المسلمون وهم مليار ونصف على إعلان بيت المقدس عاصمة لدولة عبرية مزروعة في المشرق الإسلامي والمسيحي بقوة السلاح، ويستيقظ المسلمون أيضا على إلغاء سورة الإسراء من القرآن الكريم! الغريب أن أفضل من حلل هذه النكبة الثانية هو سماحة الأب (مانويل مسلم) أحد رجال الكنيسة الفلسطينية حين قال (صحيفة الشرق الجمعة 8/12 وقناة الجزيرة الخميس 7/12) بأن المشرق العربي يصحو فجأة من سبات التاريخ تحت وقع صاعقة القرار الأمريكي فينقسم إلى معسكرين واضحين، هما معسكر المطبعين الخائفين على عروشهم، ومعسكر الكبرياء المتمسكين بالحق الإسلامي والمسيحي في فلسطين، وبالطبع توعد الأب (مانويل) المعسكر الأول بانتقام الشعوب منهم، وبشر المعسكر الثاني بالنصر ولو بعد حين لأن التاريخ علمنا بأن إرادة الأمم لا تقهر وأن الشعوب باقية والحكام زائلون! والجميع يدرك اليوم من هم المنضمون للمعسكر الأول ومن هم المنتمون للمعسكر الثاني! نحن على أعتاب حرب الحضارات لا صراعها وحضارة الإسلام هي مع الأسف العدوة الجديدة لحضارة ما يسميه (هنتنغتون) بدهاء "الحضارة المسيحية اليهودية" أي قوة الغرب المادي المهيمن المتحالف مع التيارات الصهيونية المتأدلجة ومن المعروف أن مصطلح (الجيديو كريستيان) هو خدعة استعملها الاستعمار الغاشم لإذلال العرب والمسلمين حين زرع الغرب منذ وعد بلفور كيانا عبريا في قلب العالم الإسلامي فأعلن أن حضارة الغرب المستكبر إنما هي مزيج من المسيحية واليهودية بينما العداء تاريخي وأسطوري بين الديانتين حيث كان النصارى يلقبون اليهود بقتلة السيد المسيح! وتشهد المحارق النازية الأوروبية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية على التناقض بين المسيحية واليهودية وحين اضطهد اليهود والمسلمون في محاكم التفتيش الإسبانية لم يجدوا ملاذا إلا عند الخلافة الإسلامية. وكل من يقرأ البيان الأمريكي الوحيد المؤيد لقرار (ترامب) يوم الأربعاء 6/12 والصادر عن هيئة البطارقة للكنيسة الأنجليكانية الأمريكية المتطرفة يدرك أن قرار (ترامب) أساسه الحقيقي ديني متعصب يستهدف الإسلام بقصد إخراجه من التاريخ الحديث، وهو نفس الكلام الذي قاله مستشار الأمن الأمريكي، مشيرًا إلى أن الإسلام دين إرهاب سيقع حسب قوله اجتثاثه كما اجتثت الشيوعية والنازية! وضمن هذا المخطط الخرافي المدلس للتاريخ الذي دشنه بوش الابن بشن الحرب على العراق بتبرير عجيب هو أن (الرب) ظهر له في المنام وأمره بغزو العراق! تأتي اليوم مغامرة الالتفاف على أقدس معقل من معاقل الإسلام مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم. وكما صرح أحد أبرز المحللين الإسرائيليين على قنواتهم فإن هذا القرار لم يكن ممكنا دون التحالف مع بعض العرب. إذا أدرك العرب والمسلمون هذه الخلفيات التي تجمع بين العقائد والمصالح فإنهم لا شك سيتعاملون مع الحدث الجلل بحكمة العقل وإلغاء الخلافات الهامشية وتعزيز الوحدة الإسلامية واعتبار أن قرار (ترامب) فرصة تاريخية للصحوة والتحرر وعودة الوعي.