11 سبتمبر 2025
تسجيل"وأخشى ما أخشاه هو أن تتكرس حالة التشظي إلى حدود يتم فيها تبادل إراقة الدماء وهو ما تسعى مختلف القوى إلى تجنبه, بيد أن ما يشاهده المرء من احتقانات وبروز حالة من الكراهية المتبادلة يمكن أن يفضي إلى معارك شوارع لا قدر الله غير أنني على يقين بأن الأمر لن يصل مطلقا إلى مستوى الحرب الأهلية التي تحاول قوى إقليمية ودولية أن تروج لها في إطار توجهاتها التآمرية ضد المحروسة" هذا ما كتبته في مقال الأسبوع المنصرم في هذه الزاوية وكنت أحاول من خلاله أن أحذر العقلاء في المحروسة دون أن يطرأ على بالي أن يتحقق ما حذرت منه بعد يومين فقط من نشر المقال, فقد فوجئت في مطلع ليلة الأربعاء الماضي, وأنا أتابع محطة فضائية بصالة تحرير الأهرام عبر شاشة ضخمة بمشهد اقتحام لعناصر أشبه بالميليشيا لخيام المعتصمين بمحيط قصر الرئاسة المعروف بالاتحادية بمنطقة مصر الجديدة ,كانت حركتهم سريعة في تمزيق الخيام وتكسير أعمدتها ومطاردة القاطنين فيها. ثم غادرت المكان ومضيت إلى موعد عمل امتد نحو ساعتين ونصف وعدت بعده إلى منزلي , لم تكن الساعة قد تجاوزت العاشرة والنصف ليلا ,فسارعت بمتابعة شاشات القنوات الفضائية التي تغطي الوقائع على الهواء وشاهدت حربا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عمليات كر وفر من شارع إلى شارع وحجارة تلقى ثم أصوات إطلاق نار ثم حديث عن قتلى وعشرات الجرحى مشهد شديد العبثية امتد للأسف حتى الساعات الأولى من صباح الخميس بل ثمة تقارير متواترة عن غرف تحقيق أقامها طرفا الحرب لمن يتم أسره واعتقاله, وقيل إن عناصر من جماعة الإخوان قامت باعتقال من اعتبرتهم متورطين في المؤامرة على الشرعية وقدمت بعضهم للشرطة في حين رفضت تسليم البعض الآخر واعترف بيان للجماعة بأنه تم اعتقال بعض العناصر الضالعة في هذه المؤامرة, وثمة تقارير مصورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي فضلا عن تقارير عن عمليات سحل لعناصر من المتظاهرين وأحدها نشر صورة سفير سابق بوزارة الخارجية المصرية استقال منها احتجاجا على سياسات مبارك. وثمة ملاحظات أوردها على عبثية المشهد وأهمها ما يلي: أولا: ثمة غياب كان واضحا لقوات الأمن التي رأت حسبما يبدو أنه من الأفضل لها أن تنأى بنفسها من حرب شوارع لن تكون قادرة على الحيلولة منها أو أنها لم تشأ أن تحسب على هذا الفريق أو ذاك الفريق فضلا عن عدم ظهور قوات الحرس الجمهوري والتي يدخل تأمين المنطقة المحيطة بالقصر الرئاسي ضمن مهامه ووظائفه وأظن أنه كان بوسعه التدخل ليشكل على الأقل عنصر فصل بين الطرفين أو الفسطاطين اللذين غادرا منطقة التجاذب السياسي إلى منطقة الدم وهو ما يشكل تطورا بالغ الخطورة. على أي حال تدخل الحرس الجمهوري صباح الخميس ولكن بعد أن أريقت دماء وتمزقت أجساد وهو ما كان يستوجب الحيلولة دونه لو تم التدخل في وقت مبكر . ثانيا: من الذي منح جماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها من الجماعات السلفية حق الدفاع عن الشرعية المتمثلة في رئيس الجمهورية وما يمثله قصر الرئاسة من رمزية دالة بقوة عليها ؟ واللافت أن كلا من مرشد عام الجماعة الدكتور محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر الذي يوصف بأنه الرجل القوي في الجماعة أكدا في مؤتمرين صحفيين متعاقبين أمس الأول – السبت – على الحق في الدفاع عن الشرعية وحمايتها وإمكانية تقديم التضحيات من أجل ذلك ,وهو ما يتعارض مع قاعدة دولة المؤسسات في المحروسة التي أعلنت الجماعة وكوادرها إيمانها بها بينما من المفترض أن ثمة مؤسسات رسمية مسؤولة عن تأمين وحماية الشرعية . ولاشك أن هذا التحرك من قبل الجماعة وحلفائها أدخل رئيس الجمهورية في دائرة الارتباط العضوي بها فضلا عن أنه أدخل الأزمة في اتجاه يدفع بها إلى التعقيد ويكرس حالة الانقسام ليس بين قوى إسلامية وأخرى مدنية ولكن بين رئيس من المفترض أنه رئيس لكل المصريين وبين طائفة من شعبه ,وهو ما يجعلني أدعو بقوة الجماعة إلى فك ارتباطها بالدكتور مرسي على الأقل علنا ورسميا حتى يمكن الإسهام في إطفاء جذوة الحريق الذي أشعلته فتنة الإعلان الدستوري ثم فتنة الدستور الذي لا يحظى بالتوافق. ثالثا: من أشد ما أفرزه هذا المشهد الشديد العبثية في تاريخ المحروسة هو أن المصريين فقدوا أنبل ما تميزوا به خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن سالت دماؤهم بأيديهم , وليس بأيدي عدو خارجي أو سلطة غاشمة مثلما وقع خلال مظاهرات الثورة وهو ما خلق حالة من الاستنفار والرغبة في الثأر والانتقام وهو ما عبرت عنه مختلف القوى السياسية بفسطاطيها للأسف, أي أن ذلك سيشكل عقبة كأداء على طريق أي مصالحة يمكن اقتراحها بعد أن تذهب أسباب الأزمة ويفضي الحوار الوطني إلى نتائج محسوسة ,ومع ذلك أقول إن الفرصة ما زالت مواتية أمام الرئيس مرسي الذي لا ينبغي لأحد التشكيك في شرعيته ,أو محاولة إسقاطها بالرغم من كل الأخطاء التي وقع فيها خلال الأشهر الست المنصرمة منذ تولى فيها مقاليد الرئاسة لمقاربة حلول جذرية تنهض على التوافق ,وبلورة القواسم المشتركة وتجنب الخيارات الصعبة والقرارات غير المدروسة تخرج المحروسة من عتمة شديدة ألمت بأفقها وهو ما لم يتوقعه الذين وثقوا فيه ومنحوه أصواتهم بحسبانه من خندق الثورة . رابعا: إن القوى الوطنية والثورية مطالبة بعدم الغلو في سقف مطالبها خاصة تلك التي غابت عن الحوار الوطني الذي دعا إليه مرسي, وكان يتعين عليها أن تتفاعل مع نداءات ومساعي شخصيات مستقلة تتمتع بالاحترام من قبيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والدكتور أحمد زويل وغيره, وأنا على يقين أنه بمقدورهم التأثير على مجريات الأزمة على نحو يدفع بها إلى الانفراج حتى نتجنب لغة الدم التي لم تعد تستخدمها الألسنة فحسب وإنما امتدت إلى الأيدي للأسف, إن الوطن فوق الخلافات والأيدولوجيات والحسابات مهما كانت, أقول ذلك حتى تتجنب هذه القوى التي أثق بوطنيتها ما يتردد في بعض الدوائر من أن مواقفها المناهضة بقوة للإعلان الدستوري تعكس رغبة في تقليص مساحات الرئيس مرسي والذي حقق الفوز عليهم في انتخابات الرئاسة ,إن لم يكن إزاحته من مقعده الذي حصل عليه بانتخابات نزيهة , حتى وإن كان فارق الفوز ضئيلا لا يتعدى الواحد والنصف في المائة. سادسا: ليس بمقدور أي قوة سياسية أو جماعة أن تنفرد بحكم شعب المحروسة أو أن تفرض عليه توجهاتها فهو شعب مغاير عن شعب ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير , لم يعد يقبل بأي نزوع استبدادي أو رغبة في الاستحواذ أو احتكار السلطة , هذا بات منطقا يسكن خانة الماضي فهو شعب تحرر من أساطير الخوف وتابوهات ومقدسات حاولت دوائر عدة أن تدخله فيها تحت عناوين متنوعة لكنه أحبطها جميعا ووجه رسالته المفصلية في الخامس والعشرين من يناير فتلقفها مبارك ورحل وأي نظام وأي حاكم لا ينتبه إلى دلالاتها سوف يدفع ثمن التجاهل أو العناد الذي قد يقيم بتفكير البعض من هذا الطرف أو ذاك. السطر الأخير: أنت مع المدينة أم الغابة بقلبك فجر يتوهج بالندى أم كفك تصب لنا فناجين الكآبة قرأنا لك وقت انبثاق زمنك سفر المحبة فشغلتنا بالصراخ والخطابة باعدت بين وجوهنا والبراءة تراخت النشوة بمجيئك صرعتنا الندامة فالتهمنا السراب صحونا عليك تطرق الأبواب تنادينا بهمس تغني للنوارس تفترش الوديان والهضاب لكنك سرعان ما سكبت فرحنا قذفت بعطرنا في المدى فتداعت خيولنا رحيلا وغيابا