13 سبتمبر 2025

تسجيل

هل أنت سهل قريب من الناس؟

10 نوفمبر 2022

الأخلاق العالية والسهولة واللينُ صفة من صفات الارتقاء، لا يتميَّز بها إلا أهل الاصطفاء مِمَّن كتب الله لهم السعادة في الدنيا والآخرة.. هؤلاء الأشخاص الذين رزقهم الله اللين والسهولة في شخصياتهم ومعاملاتهم لهم حضور مميز وعطر جميل وإطلالة يحبها الصغير والكبير.. لذلك كانت هذه الصفة من أهم ما ميَّز الله تعالى به أهل الدعوة والرسالة، والرسل والأنبياء الكرام.. فكانت هذه الصفة من جملة أخلاق النبي، صلى الله عليه وسلم، التي منحه الله إياها من فيض رحمته وفضله عليه.. قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (آل عمران: ١٥٩). اللين يجذب القلوب ويأسر العقول ويزيل الحواجز ويقضي على البغضاء والشحناء.. فكانت هذه الصفة هي مفتاح انتشار هذا الدين العظيم الذي خرج من غار صغير ليبلغ مشارق الأرض ومغاربها.. فكان رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، يفيض لينًا وسهولة على الصغير والكبير، في الشدائد والمحن وسائر الأوقات.. فكان يحب الرفق واللين ويحثُّ عليهما أصحابه وأتباعه من بعده؛ لأن فيهما نجاة من النار.. قال ﷺ: «حُرِّم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس». ‏وفي رواية: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل». فهذا هو خلق الأنبياء وهديهم المبارك. ومن المؤسف أن نرى بعض النماذج التي تسلك مسلك الغلظة والشدة في طباعها؛ فنجد آباء ينتهجون نهج أهل الجاهلية من غلظة القلب وصعوبة الطباع، ونجد الأبناء يشتكون من هذه القسوة التي تفسد عليهم سعادتهم، بل وتصل إلى وجود مشكلات نفسيَّة لدى الأولاد والبنات بسبب القسوة والشدة المفرطة في تعامل الأبوين، سواء الأب أو الأم، معهم. فهذا النهج يفسد تربية الأبناء ويصيبهم بآلام نفسيَّة تظل معهم طول العمر. فلا بُدَّ من أن يحاول كلٌّ منا ويجاهد نفسه لاتباع اللين والسهولة اللذين حثنا عليهما الشرع دون إفراط ولا تفريط؛ حتى يسعد في حياته ويسعد مَن حوله مِن الأهل والزوجة والأبناء.. ومن أمثلة الغلظة التي نراها في المجتمع عند بعض الأشخاص الذين يتقلَّدون مناصب حيويَّة أو مراكز حسَّاسة: تجد بعضهم يتخذ الغلظة والجفوة رداءً له، ظنًّا منه أن هذا اكتمالٌ للهيبة، ولكنه في الأصل يجعل كل مَن حوله ينفضون ولا يحبون لقاءه ويشعرون بوجود مسافة بينه وبينهم في التعامل. لذلك أوصي كل مَن كان قياديًّا أو مديرًا أو صاحب عمل أن يسلك مسلك اللين والسهولة في التعامل مع مَن هم دونه وتحت قيادته؛ حتى يكون قريبًا منهم، يصل سريعًا إلى أفكارهم ويناقشهم ويعطيهم ضوءًا للإبداع والابتكار، فهذا يعطي العمل طابعًا مميزًا ويزيد من فرص النجاح والتفوق وتحقيق الأرباح الماديَّة والمعنويَّة. فاللين مفتاح كل نجاح، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي. وأريد التنويه بأن الشخصيَّة المتزنة هي التي تجمع الصفة وعكسها وتعرف متى وأين تخرج كل صفة وتستعملها وتضعها في مكانها الصحيح؛ فلكل موضع تعامُل معين.. لذا، تجد المسلم القوي شخصيَّته متوازنة، يجنح إلى الشدَّة تارةً، ويميل إلى الرفق واللين تاراتٍ كثيرة، حسب ما تقتضيه الحاجة والضرورة.. فأوصيكم أحبتي باللين والرفق في طباعكم، بل اجعلوهما الأساس، وما سواهما لا يخرج إلا للضرورة.. فاللين يجذب القلوب ويزيد المحبة في النفوس، والأعلى من ذلك أنه قد يكون سببًا في النجاة من النار.. • دعاء: اللهم ارزقنا محبتك ومحبة عبادك الصالحين، واجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله وزانت أخلاقه ومعانيه.. اللهم آمين يا رب العالمين.