12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأسس الاقتصادية للدولة الوطنية

10 نوفمبر 2013

عادة ما يتم تجاهل العامل الاقتصادي عند الحديث عن تدهور الأوضاع العربية التي أعقبت تغيير الأنظمة في عدد من البلدان، كمصر وليبيا وتونس والعراق واليمن والتدهور المريع للأوضاع في سوريا والناجم عن الحرب الأهلية هناك. لقد كان العامل الاقتصادي وعلى الدوام هو المحدد الأول لاستقرار الدول، وبالأخص إذا ما اقترن ذلك بالتوزيع العادل للاستثمارات بين المناطق وتوفير الخدمات وفرص العمل والمساواة بحدها الأدنى، حيث أدى التفاوت الاقتصادي وإهمال المناطق النائية إلى إشعال الحروب الأهلية وتأجيج محاولات الانفصال، مثلما حدث في السودان بين شماله وجنوبه ومثلما يحدث في اليمن في الوقت الحاضر، حيث يتهم الجنوب الشمال بتحويل عائدات النفط للمركز. والغريب أن هذا التفاوت الاقتصادي لا يشمل البلدان النامية فحسب، وإنما البلدان المتطورة أيضا، إذ يلاحظ التفاوت بين شمال إيطاليا وجنوبها، حيث البطالة والتي زادت من حدتها الأزمة المالية العالمية، في حين استطاعت بلدان أخرى التعامل بحكمة وسخرت العامل الاقتصادي لاستقرار بلدانها من خلال التوزيع العادل للاستثمارات وتقريب مستويات المعيشة، وبالتالي إرضاء كافة شرائح المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية. وتبرز في هذا الصدد تجارب مهمة، سواء في البلدان النامية، كالهند، أو في البلدان المتقدمة، كألمانيا والتي استطاعت بحكمة استيعاب ألمانيا الشرقية انهيار المعسكر الشرقي بكل فقر اقتصادها وضخت استثمارات هائلة للنهوض باقتصاد الجزء الشرقي وهو ما أدى إلى نجاح توحيد ألمانيا من جديد. في نفس الوقت يعاني الحزب القومي الأسكتلندي من صعوبات حقيقية للفوز في الاستفتاء المزمع تنظيمه العام القادم 2014 في بريطانيا والرامي إلى انفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة، وتكمن صعوبة المهمة في المستوى المعيشي الجيد الذي يتمتع به الأسكتلنديون في ظل المملكة المتحدة وغموض أهداف الحزب القومي الذي يسعى إلى جر أسكتلندا إلى المجهول. ومن بين التجارب الخاصة بوحدة المكون الاقتصادي برزت في هذا الجانب التجربة الإماراتية، كتجربة عربية فريدة من نوعها تملك صفة الديمومة بفضل الحكمة في تناول الشأن الوطني والاستناد إلى الأسس المادية في إيجاد تنمية متوازنة بين مناطق الدولة والتوزيع المدروس للاستثمارات والمشاريع التنموية والتي أوجدت تقاربا بين المستويات المعيشية ووفرت فرص العمل والاستقرار للمواطنين بغض النظر عن أماكن تواجدهم وطبيعة عملهم. وتعود هذه السياسة الثابتة إلى بدايات تأسيس الاتحاد، حيث عمل المغفور له الشيخ زايد على تقليص الفوارق التي كانت موجودة بين الإمارات النفطية وغير النفطية قبل قيام الاتحاد وسعى بخطى حثيثة إلى تقريب مستويات المعيشة، وهي التوجهات التي ما زالت معتمدة وتساهم في تقدم الدولة واستقرارها، حيث يمكن تلمس تنفيذ المشاريع التي تشمل كافة مناطق وإمارات الدولة. لذلك، فإن التجربة الإماراتية الاتحادية يمكن تقديمها، كنموذج للبلدان التي تبحث عن مخرج لأزماتها وتفاوتاتها الاقتصادية والاجتماعية، فالارتهان إلى العواطف الطائفية والأيدلوجيات الجامدة، مثلما يحدث في بعض البلدان حاليا لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار وزيادة الفوارق بين مكونات المجتمع، أما الأسس الموضوعية والمساواة الاجتماعية والمشاريع التنموية وتقريب معدلات النمو بين المركز والأطراف، فإنها تعتبر القواعد الأساسية التي يقوم عليها بناء ومستقبل الدولة الوطنية. عند هذا المستوى من التقدم يمكن فقط تعزيز الانتماء بارتباط مصالح فئات المجتمع الذين يشعرون بالاطمئنان وبوجود مصالح مشتركة لهم لاستمرار وجودهم ضمن الدولة الوطنية التي ستعني لهم في هذه الحالة التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي والاستقرار على المدى البعيد.