27 أكتوبر 2025
تسجيلكنا في لقاء مؤخراً مع أحد المشايخ والدعاة الأفاضل ومن أهل الاختصاص في شؤون الرقابة على البنوك الإسلامية في قطر، وكان يتحدث بكل صراحة عن الدور الخفي الغريب الذين يقوم به البعض في مجالس إدارات تلك البنوك أو غيرهم من أجل إقصاء العلماء والمشايخ من هيئات الرقابة الشرعية على تلك البنوك الإسلامية، وبالأخص بعض الأسماء المشهورة المعروفة بعلمها ودرايتها في مجال الاقتصاد الإسلامي، حيث تم مؤخراً "استبعادهم" من هيئات الرقابة الشرعية في مجموعة من البنوك الإسلامية، الأمر الذي كان ولا يزال يتوافق مع ما كنت أفكر فيه في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بتلك التغييرات الجديدة والخطيرة على بعض البنوك الإسلامية فيما يتعلق "بانفتاحها" وانطلاقها نحو التغيير للأسوأ لا التغيير للأفضل. لقد أكد لي ذلك الشيخ الفاضل تلك الممارسات الغريبة التي يقوم بها بعض البنوك الإسلامية التي عادت لتلبس لباس الجاهلية من جديد بعد أن نجحت في تجربتها الإسلامية وكأنها قد استحيت من سمتها وطابعها الإسلامي لأمر ما أو قد يكون نتيجة تدخلات وضغوطات خارجية لا أعلم ما مصدرها ولا حقيقتها، ولكنها مجرد تخمينات ترد على عقل الإنسان الذي فرح كثيراً بعودة البنوك إلى تنفيذ شرع الله من خلال تحريمها للربا والتزامها بطابع التعامل الإسلامي الذي نادى به الإسلام، ولكننا فوجئنا منذ سنوات بأن بعض البنوك الإسلامية بدت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية.. وأضيف إليها كالمتمللة والمتذمرة والمتأففة من تطبيق شرع الله بين جوانب تلك البنوك وإعطاء بديل إسلامي راق بأخلاقه وتعامله في المعاملات المالية أو حتى في خدمة الجمهور والناس أجمعين في هذا البلد الطيب. لقد قامت بعض البنوك الإسلامية بسلسلة تغييرات مستنكرة ومستغربة لأبعد الحدود، فبعضها قد قام باختصار اسمه الثلاثي إلى اسم أحادي ولا أدرى سبب ذلك التغيير أهو من أجل استبعاد لفظ "الإسلامي" في آخر الاسم أم أنه من أجل سهولة تداول الاسم وسرعة الإشارة إليه في الوسائل الدعائية أم ماذا بالضبط ؟! وقام بنك إسلامي آخر بتغيير اللون السائد في شعاره ولوحاته ومبانيه من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر ولا أدري سبب ذلك التغيير أيضاً أهو من أجل إضفاء نوع من الرسائل الخفية للغرب بأننا لا نشكل ذلك "الخطر الأخضر" كما تصفون به الإسلام وكما تخشون، ونسى هؤلاء أن الأحمر أشد وأكثر تنكيلا من الأخضر أم أنهم فعلاً يريدون تغيير اللون لدواعي الجودة والسلامة على سبيل المثال!. كما قامت بعض البنوك الإسلامية في خطورة "مودرن" منها كذلك إلى التأسي بالبنوك الربوية فقامت بدمج الرجال بالنساء واختلاط الحابل بالنابل حتى أصبحت الفتيات المتبرّجات في البنوك الإسلامية يضاهين بمفاتنهن وتبرجهن بقية الموظفات العاملات في البنوك الربوية الأخرى، ناهيك عن عدم خصوصية النساء في صالات خدمة الجمهور في تدهور كبير لمستوى الخدمة وعدم احترام لخصوصية النساء أو حتى لعادات وتقاليد هذا البلد الطيب. وفي تدهور آخر أشار إليه ذلك الشيخ الفاضل بأن بعض البنوك الإسلامية أصبحت تخشى أن تقيم صلاة الظهر في إحدى صالاتها أو ممراتها خشية لفت الانتباه بأن ذلك البنك هو بنك "إسلامي". وأستغرب كثيراً من ذلك التردي الخطير الذي نعيشه في بعض مؤسساتنا كالبنوك وغيرها من سائر مكونات المجتمع، وكذلك الحال لدى بعض الملتزمين من عموم الناس في المجتمع الذين أصبحوا مائعين.. زئبقيين.. هلاميين.. بلا شكل ولا طعم ولا لون ولا رائحة أو حتى رمز يشير بأنهم ملتزمون بتعاليم دينهم وشرع ربهم وكأنها قد أصبحت "نقيصة" لدى الكثيرون بأن ينعتهم الناس بأنهم "مطاوعة" أو "ملتزمون" بدينهم، وما أعجب تلك التصرفات التي ستورد أصحابها المهالك لا محالة لأنهم قد بدأوا في هدم أساسهم وتشويه شخصياتهم ووأد مبادئهم من أجل إرضاء الآخرين.. وقد يكون هؤلاء الآخرون هم الكارهون لهذا الدين الإسلامي في الداخل والخارج، فإن كان تغييرهم من أجل إرضاء الغرب وأعداء الأمة فتلك غاية سهلة الوصول بمجرد الانسلاخ من الدين تماماً، وإن كان هدفهم من ذلك التغيير هو إرضاء الكارهين لهذا الدين في الداخل أو أولئك المتذمرين من إقبال الناس إلى دينهم ورغبتهم في تطبيق شرع ربهم فإنهم كذلك مخطئون لأنهم يرضون فئة ضالة بأهوائها وشاذّة بأفكارها ومعتقداتها، فئة تتخذ الغرب صنماً يعبد من دون الله تقدسه وتقرب إليه القرابين، ومن بين تلك القرابين التي تقدمها وتدعو لها.. هي تلك المؤسسات وأولئك الأشخاص "الإسلاميون المودرن" الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وشكله.. بينما هم في الواقع يحاربون الإسلام في عقر داره.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.