12 سبتمبر 2025

تسجيل

القارة السمراء بين الأطماع الاستعمارية وقبضة الجنرالات

10 سبتمبر 2023

تمر افريقيا هذه الأيام بمخاض عسير وتحديات وجودية تضاف إلى الإرث الاستعماري الأوروبي وعلى وجه الخصوص فرنسا التي تسيطر على الموارد الطبيعية في العديد من الدول الافريقية كالذهب والنفط واليورانيوم في القارة التي يعاني سكانها من المجاعات والفقر المدقع؛ فالقارة السمراء تملك ثلث ثروات العالم المعدنية، وأكثر من ستين بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وعلى الرغم من ذلك هناك 20 مليون إفريقي حاليا يواجهون خطر المجاعة، وعلى وجه الخصوص في شرق افريقيا. فهذه الثروات الطائلة تتقاسمه الدول الاستعمارية والأنظمة الفاسدة والجنرالات العسكرية المستبدة هناك، بينما يزداد أبناء هذه البلدان فقرا وجهلا مع مرور السنين. فقد شاهدنا خلال الأسابيع والشهور الماضية انقلابات عسكرية اطاحات بحكام النيجر والغابون والأخيرة تملك 26 مليار متر مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي في نهاية 2021 بينما يشكل النفط 80% من إيرادات الصادرات خلال هذه الفترة، الصراع الحالي في افريقيا لا علاقة له بالإصلاح أو محاربة الفساد أو تحقيق الديمقراطية الغائبة عن معظم دول القارة السمراء منذ استقلال هذه الدول من الاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي والاسباني في منتصف القرن العشرين، بل ظلت هذه الدول متواجدة بقوة في مستعمراتها السابقة وتوجه الحكام والقادة العسكرين للمحافظة على مصالحها والمتمثلة في استمرار نهب الثروات والغزو الثقافي والمتمثل باللغة الفرنسية والانجليزية، فضلا عن السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيه النخب المثقفة بالعمل على محاربة الدين الاسلامي والثقافة الوطنية والتخلي عن قيم وتراث تلك المجتمعات. فالدول التي شهدت الانقلابات في الفترة الأخيرة كانت مستعمرات فرنسية. ولعل ما حصل في النيجر خلال الأيام الماضية يعكس تضارب المصالح بين فرنسا وقادة الانقلاب، فقد تم طرد السفير الفرنسي، بينما دخلت روسيا على الخط بهدف منافسة المستعمرين القدامى، إذ أن شركة فاغنر التي تمثل الذراع العسكري لروسيا؛ تعبث فسادا في المدن الافريقية التي شهدت الاحداث الأخيرة، وذلك لمساندة الجنرالات الذين قادوا الانقلاب في تلك الدول على الرغم من زعمهم بأن هدفهم الأساسي محاربة الفساد وتحقيق الديمقراطية، ففي واقع الأمر فاقد الشيء لا يعطيه، فلا توجد ديمقراطية لدى الأطراف المتصارعة في افريقيا. ولعل الحضور القوي للصين في القارة السمراء من خلال ما يعرف بدبلوماسية فخ الديون التي تدفقت بلا حدود على كل من السودان وكينيا وأوغندا، ثم ترتب على ذلك السيطرة المطلقة على بعض الموانئ والمطارات في اوغندا مثل مطار (عنتيبي الدولي) الذي اصبح يدار من قبل الصين؛ وقبل ذلك محاولة الصين السيطرة على ميناء مومباسا بكينيا الذي تم رهنه بمليارات الدولارات التي قدمها الحزب الشيوعي الصيني للحكومة الكينية، ثم ترتب على ذلك عدم قدرة هذه الدول على سداد الديون التي قدمتها الصين لتلك الدول وبالتي تم وضع اليد عليها من الدولة الدائنة التي سبق أن سيطرت على العديد من الموانئ والمطارات في كل من سيرلانكا وباكستان لكونها افلست مثل سيرلانكا أو عجزت عن تسديد الأقساط كما هو الحال في باكستان.لا شك أن هذه القارة الغنية شكلت عامل جذب للطامعين الاوروبيين والامريكيين والروس والصينيين على حد سواء. فهؤلاء المستعمرون الجدد يبحثون عن موطئ قدم في هذه القارة لزرع قواعدهم العسكرية والسيطرة على الممرات المائية الدولية ومحاولة تقاسم الثروات الطبيعية مع العسكريين والمستعمرين القدماء الذين هم في الأساس خرجوا من الباب عند اشتعال الثروات الوطنية في القرن الماضي ولكنهم رجعوا من جديد عبر النافذة لتحقيق مصالحهم الثقافية والاقتصادية. فالقارة السمراء استبيحت عبر القرون واستعبد سكانها الشرفاء من المجرمين ومصاصي دماء الأبرياء ونهبت مصادر الرزق من تحت اقدام الافارقة الذين عانوا الامرين عبر التاريخ. فمتى يعقل من يزعمون بأنهم دعاة وأوصياء على حقوق الإنسان كذبا وبهتانا. ومن هذه النافذة ندعو هذه الأطراف المتصارعة إلى رفع ايديها عن افريقيا، إذا بقي لديها ضمير إنساني؛ فهذه الشعوب الفقيرة لا تحتاج إلى حكم الجنرالات ولا إلى التواجد الاستعماري البغيض، كما أن فخ الديون الصينية يشكل خطرا مدمرا على هذه الدول ويمثل وباء قاتلا اشد من الاستعمار الأوروبي. فالشعوب الأفريقية تحتاج بالدرجة الأولى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة بين افراد هذه الشعوب وإقامة أنظمة ديمقراطية مدنية قائمة على محاربة الفساد والعنصرية، وذلك على خطى جمهورية رواندا التي أسست واحدا من اهم النماذج العالمية في الحكم وتحقيق العدالة والرخاء الاقتصادي ومحاربة المفسدين منذ بداية الالفية الجديدة.