13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); من يصدق أن الأستاذ "نجيب محفوظ" شخصيا كان شريكا في أول "أبلة فاهيتا" في تاريخ مصر، الحديث على الأقل؟نعم، هو هو "نجيب محفوظ" عبقري الرواية العربية ورائدها، هو هو من أحدثكم عنه، هذا البرجوازي دارس الفلسفة، والأديب فائق الموهبة، والموظف المنضبط كما الساعة، وابن البلد العارف بدهاليز الصعلكة، و"ابن النكتة" سريع البديهة، والمتسنم أعلى هرم الذكاء اللغوي. نجيب محفوظ ـ الحاصل على جائزة نوبل في الأدب ـ هو من أحدثكم عنه مؤكداً أنه شارك في مهزلة أول "أبلة فاهيتا"! وللتذكرة فإن "أبلة فاهيتا" دمية ظهرت في إعلان تلفزيوني، ثم خرج البعض ليتهموا ما قالته في الإعلان بأنه ليس بريئا، وأنه مليء بـ"الشفرات" ذات الدلالات السياسية والأمنية، إلى غير هذا من عته لا شك فيه، مارسه إعلام الانقلاب العسكري في مصر، ضمن منهجه الثابت لتشتيت الناس وصرف أنظارهم وعقولهم عن القضايا الحقيقية، وشغلهم بأوهام لا طائل من ورائها ولا نهاية لطريقها.والظاهر أن ممارسة هذا العته ـ بالاختيار الحر أو التورط ـ لا يرتبط فحسب بالحالة العقلية لمن يمارسونه، بل بـ"المناخ العام"، وأن ممارسته تروج في ظل الطغاة وعهود القهر والقمع، على نحو يتورط فيه أصحاب العقول النيرة والمواهب المتألقة، ومن هؤلاء ـ بلا أدنى شك ـ "نجيب محفوظ"! الذي شارك في أول واقعة من عينة "أبلة فاهيتا".والحكاية أنه، وفي العام 1960، أطلق الملحن "محمد فوزي" أشهر أغنيات "الفرانكو آراب" وهي أغنية "يا مصطفى" ليغنيها "جورج وديع عزام" الشهير بـ"بوب عزام" وتنجح نجاحا لا مثيل له حتى اليوم. واللحن الأساسي للأغنية هو لحن من الفلكلور السكندري، كان شائعا ـ حتى بين أبناء الجاليات الأجنبية ـ ربما من باب التودد لأبناء البلد الأصليين، حيث تقول كلمات الأغنية "يا مصطفى يا مصطفى أنا باحبك يا مصطفى.. سبع سنين في العطارين وأنت حبيبي يا مصطفى" وهو كلام يصبح توددا خالصا حين يغني في عرس إيطالي أو يوناني أو أرمني، فمصطفى "المحبوب" اسم عربي مسلم، و "العطارين" هو الحي الشعبي السكندري المعروف، ومن تبني الأجانب للأغنية في حفلاتهم جاء النزوع إلى أن تصبح "فرانكوآراب". هكذا الأمر إذا وبكل بساطة، أجانب يتوددون إلى جيرانهم من أبناء البلد، لكن ماذا تفعل في الطغيان وتخلفاته، الذي أبى إلا منع الأغنية عبر رقابته على المصنفات الفنية، التي رأت أن الأغنية تدعم "الرجعية" وتدعو لعودة "العهد البائد" عبر "رموز سرية"، فـ"مصطفى" المشار إليه هو "مصطفى باشا النحاس" رئيس وزراء مصر في العهد الملكي، و "7 سنين في العطارين" إشارة إلى السنوات التي مرت منذ سقوط الملكية وإعلان الجمهورية في 1953 وحتى إطلاق الأغنية في 1960.لكن من هو "مدير التصنيف والرقابة السينمائية" الذي وقع قرار منع الأغنية؟ إنه الأستاذ "نجيب محفوظ شخصيا، وهو موقف بالغ الغرابة، حتى ولو كان الرجل قد اضطر إلى هذا اضطرارا، والمؤكد أنه اضطر، بل المؤكد أيضا أنه استقال في العام نفسه (1960) ولعل "قرفه" من القرار الذي اضطر لتوقيعه كان من أسباب استقالته.استقال "نجيب محفوظ" وأفرجت الرقابة عن الأغنية بعد شهور، لكن الواقعة تظل بالغة الدلالة على ما يمارسه الطغيان من "مسخ للكائنات" حتى وإن كانوا من العباقرة، وبالمناسبة فإن وزير الثقافة الذي صدر في عهده قرار "أبلة فاهيتا" الأول هو "د. ثروت عكاشة" مترجم كتاب "مسخ الكائنات" من تأليف "يوليوس أوفيديوس ناسو" المعروف عندنا بـ"أوفيد"!