13 سبتمبر 2025

تسجيل

خطوات العرب وخطوات الكيان

10 أغسطس 2015

هل بوسع الخطوات التي تبناها الاجتماع الطارئ للجنة مبادرة السلام العربية الذي عقد بالقاهرة يوم الأربعاء الفائت, بمشاركة وزراء خارجية وممثلي 15 دولة عربية أن تدفع الكيان الصهيوني إلى وقف ارتداداته القمعية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني والتي تتصاعد يوما بعد يوم ؟ لقد جاء عقد هذا الاجتماع في سياق رد الفعل العربي المباشر على الأعمال الإرهابية الأخيرة لقطعان المستوطنين وتلبية لطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس, وتمخض - بعد تقرير قدمه أبو مازن ومداخلات من بعض وزوراء الخارجية العرب -عن جملة من الخطوات الرامية لوقف إرهاب وجرائم المستوطنيين في مقدمتها : أولا: القيام بسلسة من المشاورات العربية والدولية لطرح مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي حول الجرائم الإرهابية للمجموعات الاستيطانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني على نحو يدفع المجلس, لتحمل مسؤولياته لوقف الاستيطان في أراضي دولة فلسطين المحتلة وعلى رأسها القدس الشرقية. ثانيا: دعم الإجراءات التي تقوم بها دولة فلسطين بعد أن رفعت ملف جريمة حرق عائلة الدوابشة, إلى المحكمة الجنائية الدولية ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, إلى تفعيل طلب الرئيس أبو مازن بإنشاء نظام خاص للحماية الدولية للشعب الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين المحتلة. ثالثا: المطالبة بوضع المجموعات الاستيطانية الإسرائيلية على قوائم المنظمات الإرهابية, وملاحقة أعضائها أمام المحاكم الدولية وذلك بعد تكرارهم لعمليات حرق حرق المواطنين الفلسطينيين, من قبل المستوطنين الإسرائيليين الذين تأتي بهم وتحميهم الحكومة الإسرائيلية, ضمن سياسات ومحاولات سن قوانين عنصرية تذكي الكراهية والتطرف والإرهاب .. رابعا: تحميل الحكومة الإسرائيلية المسؤولة الكاملة عن كل هذه الجرائم والأعمال الإرهابية التي يقوم بها قطعان الصهاينة وهو أمر شدد عليه أيضا الرئيس أبومازن في كلمته أمام الاجتماع ما جعله يطالبها بالقيام في التحقيق فيها، باعتبارها شريكا مع هؤلاء القطعان, وبالتالي هي شريك في هذه الجرائم الإرهابية"، وهنا يلفت أبو مازن إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ارتكبت 11 ألف جريمة منذ عام 2004 ضد الشعب الفلسطيني ودون أن تعترف حتى الآن، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى أن تعترف بجرائمها، خاصة أنها ترفض الآن وقف الاستيطان أو الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، دون أن ينسى أبو مازن تحميل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري جانبا من المسؤولية لأن إدارته "لم تتمكن من تنفيذ ما وعدت به وتساهلت مع الحكومة الإسرائيلية", وهي في تقدير كاتب هذه السطور شريك كامل لحكومة بنيامين نتنياهو ولقطعان المستوطنيين فهي التي تعلن التزامها دوما – كما جاء على لسان الرئيس باراك أوباما- بأمن وببقاء إسرائيل, في إطار التحالف الإستراتيجي الذي يربطهما منذ عقود, ويحتم على واشنطن أن تجعلها أكثر تفوقا على كل جيرانها العرب وغير العرب من الناحية العسكرية والإستراتيجية . هذا جوهر ما اتفق عليه العرب, وهو لايخرج كثيرا عن النصوص السابقة وإن اشتدت اللهجة هذه المرة, بعد ما جرى لعائلة دوابشة على نحو يعكس بشاعة الفعل والقائمين عليه والمساندين له, غير أن هذه الخطوات والمطالبات ستظل ترواح مكانها ولن يمكن تطبيقها على الأرض, لأن العرب يبدون الآن من السذاجة بمكان في ظل تمحور خطابهم على التحرك السياسي والدبلوماسي, والذي اعتبروه كما أسلفت خيارهم الإستراتيجي الوحيد منذ العام 2002, بينما الكيان الصهيوني وقطعان مستوطنيه لايؤمن إلا بخيار القوة, وفرض الحقائق على الأرض من خلال اللجوء إلى القوة المفرطة, ومن يعترض من الفلسطينيين يعاقب فورا إما بالقتل أو الإصابة المعوقة, أو بالاعتقال والزج به في سجون لاتعرف معنى الرحمة أو القواعد الإنسانية في التعامل مع السجين الأسير والطالع من رحم الاحتلال, وهو ما دأبت عليه سلطات الاحتلال منذ إعلانها كيانها غير الشرعي على أرض فلسطين وتصاعدت حدته ووتيرته بعد اتفاق أوسلو الذي ظن صانعوه, بالذات من قبل الفلسطينيين, أنه سيشكل الخطوة الأولي باتجاه الاستقلال وإعلان الدولة الفلسطينية, لاسيما بعد اعترافهم الرسمي بدولة الكيان ومنذ هذه اللحظة, بات منحى التنازلات والترقب والانتظار يشهد المزيد من الهبوط, لم يصعد أبدا منذ العام 1993, بل اتسعت عدوانية الكيان, وأخذت أشكالا وأنماطا شديدة الإفراط عنوانها إنهاء هوية الشعب الفلسطيني, من خلال متابعة المشروع الاستيطاني الاستعماري, دون أن يتعرض لردع من قانون أو شرعية دولية, ناهيك عن إدراكه الحقيقي لمكامن الضعف في النظام الإقليمي العربي برمته, وحتى إن تمحك البعض بما اعترى هذا النظام من اتساع منظومة الضعف في أعقاب ثورات الربيع الربيع العربي, وما نجم عنها من دخول أقطار عربية دائرة التفكيك والحرب الأهلية والانقسام الطائفي والمذهبي, وهي عوامل تبعث على هشاشة هذا النظام مثلما نتابعه في المرحلة الراهنة, فإن الكيان حتى قبل هذه الثورات كان يمارس عدوانيته بأريحية تامة دون أن يتحرك لهذا النظام طرف لحماية الفلسطينيين, سوى المطالبة بتحمل مجلس الأمن والشرعية الدولية لمسؤولياتها وهو أمر بات بعيد المنال فكلاهما – أي المجلس والشرعية – خاضعان لهيمنة القوة الدولية الوحيدة في العالم, والتي ما تفتأ عن استخدام سلاح النقض – حق الفيتو- ضد أي قرار يشعر الكيان أنه ينطوي على عقاب أو تأثيرات سلبية, ومن ثم عجزت الشرعية الدولية عن القيام بأي خطوة يمكن اعتبارها إيجابية تجاه الفلسطينيين, بما في ذلك حل الدولتين الذي تبنته الإدارة الأمريكية منذ زمن غير المأسوف عليه جورج بوش الابن . هل يعني ذلك أنني أدفع النظام العربي إلى الانخراط في عتمة اليأس؟ لابالطبع؟ فما زالت هناك أوراق قوة بمقدوره أن يوظفها على النحو الأمثل, أولها السعي بقوة للخروج من حالة الاضطراب غير المسبوقة التي دخلها إما بإرادة وحداته, أو فرضت عليه فرضا من خلال تبني الحلول السياسية للأزمات الراهنة, وإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس مغايرة تقوم في المقام الأول على مبدأ المواطنة, بعيدا عن منهجية المحاصصة المذهبية والطائفية والعرقية التي تكاد تمزق أقطار العرب, خاصة في الدول المؤثرة على مسار الصراع العربي الصهيوني, والتي تآكلت قدرات جيوشها القتالية بعد إنهاكها في معارك جانبية ضد شعوبها وليس ضد العدو الحقيقي (سوريا نموذجا), بالطبع إلى جانب تنبي الديمقراطية والتعددية السياسية باعتبارها خيارات أساسية للنظام الحاكم مهما كانت طبيعة توجهاته, ورهن ذلك بتطبيق منظومة شاملة للعدالة الاجتماعية, بما يفك الارتباط بين أحوال المواطنيين والفقر وهي العلاقة التي تبدو أزلية في المنطقة العربية . هذا أولا, أما ثانيا, فإن النظام الإقليمي العربي بات مطالبا بالتخلي عن فكرة كون السلام خيارا إستراتيجيا وحيدا, وعليه أن يبدأ في بناء معادلة قوة شاملة بما في ذلك القوة العسكرية, من خلال الاعتماد على القدرات الذاتية, أو بالاستعانة بحلفاء في العالم ليس لديهم ارتباطات والتزامات تجاه الكيان الصهيوني, على نحو ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية. أما ثالثا, فإنه بات من الضرورة بمكان – وهو أمر تحدث فيه كاتب هذه السطور وغيره من الكتاب والمتابعين للشأن العربي العام – وقف الحوافر المقدمة طوعا للكيان, وفي مقدمتها التطبيع العلني والأخطر منه المستور مع حكومته وشركاته ورجال أعماله ومستشفياته, والقيام بما يمكن وصفه بحالة تعبية قومية, من خلال سحب كافة الدبلوماسيين العرب من تل أبيب, وفي الوقت نفسه تطهير العواصم العربية من كافة دبلوماسييه وأغلبهم هم عناصر من الموساد . إن المطلوب هو إشعار الكيان بأنه عدو وليس صديقا, تلك خطوة يمكن أن تؤتي أكلها وتقض مضاجعه وقد تدفعه إلى تغيير سلوكه العدواني أو التقليص منه, لأنه كان يهدف, منذ أن تأسس على يد الإرهابي بن جوريون وغيره من رموز عصابات الكيان, إلى اختراق الجوار وتطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة .