16 سبتمبر 2025

تسجيل

الحشد الشعبي.. يتفكك

10 أغسطس 2015

يحدثنا التاريخ، وأحكامه ورؤاه قاسية وصريحة عن حالة العراقيين وهم يتأهبون لاستقبال سيدنا الإمام الحسين بن علي (رض)، وهو في طريقه لمصيره المأساوي في كربلاء ! فقد التقى الشاعر الشهير الفرزدق في الطريق وسأله عن أحوال العراقيين من أهل الكوفة بعد أن دعوه ووعدوه بالنصرة والبيعة، فأجابه الشاعر بعبارة بليغة ظلت أصداؤها تتردد عبر القرون فقد قال له بالنص: (إن أهل الكوفة قلوبهم معك وسيوفهم عليك)!! اليوم، يعيد التاريخ تكرار تجربته الرثة في العراق، فهذا الشعب مرتبط بتاريخ المأساة وإعادة إنتاجها ارتباط السوار بالمعصم، ففي خضم حالة التحشيد والتعبئة الطائفية التي أعقبت فتوى (الجهاد الكفائي) التي أطلقت عنان الميليشيات المسلحة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ودخول الحرس الثوري الإيراني على الخط، وعودة قادة وأمراء ميليشيات الطوائف التي سبق لها وأن هربت لملاذاتها الإيرانية بعد عملية (صولة الفرسان) المالكية ربيع عام2008 والتي تفتت خلالها الميليشيات والعصابات الطائفية المسلحة التي كانت تروع الناس في الجنوب العراقي خصوصا، قبل أن تتكفل فتوى الحشد الجهاد الكفائي في إعادة الحياة والروح لتلكم الميليشيات وقادتها الذين عادوا من معسكراتهم الإيرانية مسلحين بفتوى مرجعية، وبخبرات إيرانية، وتحت قيادة فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني الذي يقوده السردار الإيراني الشهير والغامض قاسم سليماني!، فبرزت الميليشيات هذه المرة كقوة عسكرية كبيرة ذات إمكانيات تفوق قدرات الجيش العراقي الهش الذي معظم عناصره طارئة على الحياة العسكرية، وضباطه من العناصر المدنية التي تدين بالولاء لنوري المالكي وقد تم تنصيبهم كقادة وضباط ليس من خلال دراسات ومعاهد عسكرية متخصصة ومحترفة، بل من خلال دورات سريعة تم بعدها الإدماج ومنح الرتب حسب العمر!!، وهي عملية أساءت كثيرا لمفهوم الضبط والربط وللسياقات القيادية المعتادة في بناء الجيوش!!؟ ، لذلك كان الأداء في المعارك مع الجماعات المسلحة بمنتهى التواضع وانتهى بنتائج هزائم عسكرية مروعة بلغت الذروة مع ضياع الموصل في صيف عام 2014 ثم توجت بضياع الرمادي والأنبار في صيف عام2015!!، مما وضع أمن بغداد على لائحة الخطر المباشر، فجيش رث يلف الفساد و المحسوبية أركانه وتفتقد قيادته العليا للكفاءة وللطاقات وحتى للعقيدة القتالية غير قادر على خوض أي مجابهة جدية! اليوم، وبعد أن تكرست صور الميليشيات الطائفية العاملة ضمن إطار الحشد الشعبي، كانت البهرجة والشعارات الحماسية هي الأساس، ولكن حسابات الحقل لا تتطابق أبدا مع حسابات البيدر، وتكررت هزائم الحشد في معارك تكريت وبيجي والفلوجة والأنبار وأضحى حلم سرعة تحرير الموصل بعد ضياع الأنبار مجرد أمنيات وحلم ليلة صيف! فالحشد قدم آلاف الخسائر البشرية من الشباب، في معارك صعبة نتيجة لعدم الخبرة وقيام عناصر الحرس الثوري من العراقيين بقيادة هادي العامري والإرهابي الدولي أبو مهدي المهندس والمتطرف قيس الخزعلي بتطبيق سياسة الزج بالحشود البشرية في معارك غير متكافئة مع مقاتلي المعارضة المسلحة الممتلكين لخبرات ميدانية متميزة، مما أدى لمصرع آلاف الشباب العراقي من أهل الجنوب خصوصا في معارك عبثية لم تؤد لأي نتيجة إيجابية على صعيد تحقيق الأهداف الموعودة أو المرسومة أو المؤمل تحقيقها، فكانت كارثة جديدة تضاف لكوارث فشل متتالية، الأمر الذي أثار ضجة في عشائر الجنوب العراقي التي امتنع البعض عنها عن إرسال أبنائهم للجبهات في ظل الهرجلة السائدة.. من الجانب الآخر، كان واضحا رغم الشعارات الطائفية الزاعقة، أن الروح القتالية لم تعد متوفرة بزخم يوفر توفر أعداد كبيرة من المقاتلين مع بدء موجة تهرب ونزوح بل وهروب خارج العراق بعد تدبير تأشيرات سفر من خلال رشاوي لبعض السفارات الأوروبية للحصول على فيزا (شينغن)، ومن هناك تمت عمليات تسرب وهروب واسعة النطاق لشباب الحشد من أجل طلب اللجوء في الدول الأوروبية وخصوصا في جمهوريتي النمسا وفنلندا اللتين فتحتا أبوابهما لموجات اللاجئين العراقيين الجدد من أهل الحشد الذي يعاني اليوم في ظل الفشل في تحقيق أي إنجاز ميداني حقيقي من حالة تفكك واضحة ستنعكس على أداء العمليات الحربية خلال المرحلة المقبلة!!، التسرب وعدم الإيمان بجدية المعركة إضافة لملل الشباب العراقي من الحروب وحالات العسكرة التي طبعت حياتهم طيلة العقود الثلاثة الأخيرة قد رسمت طريق النهاية لحشد بات مفككا ويعتمد على الشعارات!!.. كل شيء في العراق يتغير، والشعارات تختلف عن واقع الحال!!!