17 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكان – صينيون.. وعرب لهم العجب!

10 أغسطس 2012

بانبهار المندهش وبفرحة الطفل، تابعت رحلة المسبار العلمي الذي انطلق من كرتنا الأرضية إلى كوكب المريخ، وقد استغرقت الرحلة ثمانية أشهر، قطع المسبار خلالها ملايين الكيلومترات، وعلى وجه التحديد 576 مليون كيلو متر، أما العلماء الأمريكان الذين أسهموا بعملهم الجماعي الرائع في إنجاز هذا العمل العلمي العظيم، فإنهم ظهروا على شاشات القنوات الفضائية العالمية، وقد تحولوا من علماء يتحلون بالوقار إلى أطفال مبتهجين وفرحين، في لحظة هبوط المسبار- بأمان وسلام- على سطح المريخ الذي يسمى الكوكب الأحمر، وكان لا بد أن أبتهج وأن أفرح معهم، رغم أنه لا ناقة لي في الأمر ولا جمل! وباعتباري مواطنا من مواطني العالم المتخلف، عدت إلى حالة القلق والحزن، لكن الرياضيين الصينيين تكفلوا – دون قصد منهم – بأن أبتهج وأفرح من جديد، بعد أن تألقوا وتفوقوا على سواهم من الرياضيين الآخرين، حيث حصدوا من الميداليات الذهبية ما حصدوا وظلوا في صدارة أولمبياد لندن، دون أن يستطيع أحد أن يجاريهم أو يتفوق عليهم، وقد ابتهجت مع هؤلاء الرياضيين الصينيين، رغم اعترافي المسبق بأنه لا ناقة لي في الأمر ولا جمل! العلماء الأمريكان الذين حققوا ما حققوا لم يكونوا يلعبون، والرياضيون الصينيون الذين تألقوا وتفوقوا لم يكونوا يلهون، فالمسبار الذي هبط فوق سطح المريخ كان حصاد جهود علمية فذة، لا تعرف التواكل ولا تستسلم للكسل، والميداليات الذهبية في أولمبياد لندن كانت حصاد تدريبات متواصلة وجهود مثمرة متكاملة، أما لماذا ابتهجت مع هؤلاء وأولئك رغم أني لا أنتمي إليهم، فذلك يرجع إلى إدراكي أن الإنسان – أيا كان لونه أو جنسيته أو الدين الذي يعتنقه – يستطيع أن يحقق ما يطمح إليه بإرادته الإنسانية، طالما أنه مخلص لما يقوم به من عمل، في مجال العلم أو في ميدان الرياضة أو في سواهما من مختلف مجالات الحياة وميادينها المتنوعة. عمر البهجة قصير.. هذا ما يشعر به كل إنسان ينتمي إلى عالمنا المتخلف، لكن هذا لا يعني أني أتمنى أن أكون إنسانا أمريكيا أو صينيا، فأنا واحد ممن يعتزون بعروبتهم وبالقطر العربي الذي شب وشاب على أرضه وتحت سمائه، ولهذا السبب يغزوني الحزن وينهشني القلق، فهذه الأرض العريقة التي شهدت حضارات الفراعنة والبابليين والآشوريين والفينيقيين، كما شهدت ازدهار الحضارة العربية – الإسلامية، هي نفس الأرض التي يتلهى اللاهون منا فوقها، كما يتجرع أحزانها الجادون منا. كم كنت مبتهجا وأنا أشاهد العالم الأمريكي فاروق الباز وهو يتحدث عبر شاشات القنوات الفضائية عن الجهود العلمية التي كان من حصادها هبوط المسبار العلمي على سطح المريخ، وكم كنت حزينا وأنا أتذكر أن هذا العالم الأمريكي كان يمكن أن يظل عالما مصريا، لو كانت في وطنه الأصلي - مصر بيئة علمية تتيح له أن يحقق ولو نصف ما حققه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكم كنت مبتهجا حين عرفت أن رياضية عربية من دولة محافظة تشارك في أولمبياد لندن، وكم تألمت حين رأيت هذه الرياضية العربية تتلقى الهزيمة القاسية والسريعة من منافستها في الحلبة خلال ما لا يزيد على ثمانين ثانية، وكان كل همها وهي واقعة على أرضية الحلبة أن يظل غطاء رأسها مثبتا فوق رأسها حتى لا يرى أحد خصلات شعرها! أبهجني العلماء الأمريكان، وأسعدني الرياضيون الصينيون، لكني حين أدركت أني لا أنتمي لهؤلاء ولا إلى أولئك، لأني واحد من العرب الذين لهم العجب.. أجهشت بالبكاء، وكان هذا هو كل ما استطعت أن أفعله!