18 سبتمبر 2025
تسجيلأثير نقاش واسع بين الشباب العربي وبخاصة في تونس ومصر ما بعد التحولات الكبرى في 14 يناير و25 فبراير 2011 حول ملف كنت فتحته للحوار السليم لا للجدل العقيم في بعض الصحف والمواقع منذ التسعينات وحتى من على منبر مجلس النواب حين كنت عضوا فيه في مطلع الثمانينات، مع علمي المسبق أنه ملف ساخن ولا يمكن أن يجتمع الكل حوله بالنظر إلى تعدد الآراء والأطياف والمشارب، وهو ما أعتبره شخصيا مؤشر صحة للشباب العربي وعلامة اهتمام بالشأن العربي العام وبقضايا الأسرة العربية المسلمة التي هي الخلية الأولى للمجتمع والنواة الأساسية لحضارة الأمة. هذا الملف يتعلق بالقوانين التي اختارتها الدول العربية حين استقلت من المستعمر في الخمسينات وشرعت النخب العربية في بناء الدولة الحديثة على غرار الأنموذج الغربي التغريبي، عن حسن نية وسلامة طوية،أو بتوجيه لئيم من الإمبراطوريات المسيحية حفاظا على مصالحها الدنيوية وغرسا لقيمها الدينية لأن النمط الغربي بشقيه الاشتراكي والليبرالي كان هو الوحيد المطروح كمثل أعلى للتقدم ولما كان يسميه الزعيم بورقيبة " اللحاق بركب الحضارة"و ما يطلق عليه اليوم شباب الثورات عبارة (حداثة). واليوم سنة 2011 حين تقرأ أدبيات التيارات السياسية العربية بعد التحولات العميقة تجد الجدل الأهم قائما مابين ما يسمى العلمانية (أو اللائكية) وبين الهوية الإسلامية. وهو ما يوحي بأن حربا أهلية نرجو أن تكون باردة مندلعة بالفعل في أغلب المجتمعات العربية إن لم نقل في أغلب الأسر العربية. وهذا الجدل باطل من أساسه لأنه بكل بساطة مستعار من الغرب المسيحي ولم يخض فيه علماؤنا على مدى خمسة عشر قرنا منذ فجر الرسالة المحمدية إلى اليوم. فعبارة العلمانية هي تعريب خاطئ لعبارة (لائكية) لأن أصل هذه العبارة هو من اللغة اللاتينية (لايكوس) أي الصادر عن الأمة وذلك مقابل عبارة (كليريكوس) التي تعني الكهنوت. وانفرد تاريخ الحضارة المسيحية بالصراع الطويل ما بين لايكوس وكليريكوس أي مابين عروش الملوك وكهنة الكنائس. وبلغ في فرنسا بالذات حدوده القصوى والدموية وخاصة في القرن السادس عشر حين دخل ملك فرنسا في صراع مفتوح مع بابا الكنيسة انتهى بانتصار البابا وتم جلب الملك مغلولا في الأصفاد باكيا ساجدا للبابا طالبا غفرانه وقال البابا كلمته التاريخية: "لا تاج خارج الصليب"و انتشرت في أوروبا فكرة قائلة بأن "الملك يملك الأجساد والبابا يملك الأرواح". ومن هنا سجلت الثورة الفرنسية لعام 1789 بداية القطيعة بين الديني والدنيوي (بين اللايكوس والكليريكوس) إلى أن استفحل الصراع السياسي والاقتصادي بين الكنيسة الفرنسية والممالك أو الجمهوريات الفرنسية المتعاقبة لكن تحت شعارات دينية وانتهى هذا التصادم العنيف بانتصار الدولة على الكنيسة وخاصة في مجال التعليم سنة 1905 حين قررت الجمهورية الفرنسية فصل التعليم عن الكنيسة على أيدي وزير التعليم (جول فيري). وقد ورثنا نحن في المغرب الإسلامي هذه اللوثة المستعارة من الاستعمار واعتبرتها النخب منذ ثلاثينات القرن العشرين كأنها قضيتنا نحن بينما مجتمعاتنا مسلمة تحمل جينات دينها ولم تعرف التفريق بين ما هو ديني وما هو دنيوي لأن الإسلام ليس فيه كهنوت وظلت العلاقة بين الإنسان فيه وبين الله سبحانه علاقة مباشرة وحميمية لا وساطة فيها. ونجد أن هذا الجدل قائم في تونس (كما قام في تركيا من قبل) بحدة لم تعرفها المجتمعات العربية والمسلمة الأخرى لأسباب تاريخية ومزاجية واضحة. فالزعيمان مصطفى كمال أتاتورك والحبيب بورقيبة شبيهان ببعضهما إلى درجة كبيرة فكلاهما تأثر بنهضة الغرب ونهل منها وطلب مساعدة الإمبراطوريات الغربية (الأوروبية آنذاك) لفرض غلبته على منافسيه وكان لابد أن يقدم كلاهما للغرب شواهد الولاء والإعجاب بنمط تقدم الغرب والنسج على منواله لتحقيق نهضة شعبيهما. فجاءت الكمالية في تركيا أشد تعصبا للغرب بل وأنجز أتاتورك ما عجزت عنه معاهدة (سايكس بيكو) وهو القضاء على الخلافة الإسلامية وتشويه المجتمع التركي بقوانين غريبة ومتطرفة مسخته وجعلت منه في الحقيقة ذيلا للغرب بعد أن كان رأسا للشرق (كما قال نجم الدين أربكان يرحمه الله). أما بورقيبة في تونس فبادر قبل استقلال البلاد (13 أغسطس 1956) بسن قانون الأحوال الشخصية مستوحيا إياه من القانونين التركي والفرنسي. وتولى بعض مشائخ جامع الزيتونة إصدار فتاوى صبغت عليه شرعية الدين واعتبر بورقيبة نفسه محررا للمرأة.