12 سبتمبر 2025

تسجيل

معركة ذات المطاعم!

10 يوليو 2023

تحدث مدون مطاعم سعودي، في مقابلة أجريت معه وبثت قبل أسبوعين تقريبا عبر منصة يوتيوب، عن الفرق بين المطاعم الكويتية والمطاعم السعودية في السنوات الأخيرة وفقاً لمعايير معينة، وأثناء حديثه قال إن الكويتيين لا ينفقون على المطاعم المحلية في بلادهم إلا بقدر محسوب، وليس كما ينفق السعوديون الذين يبالغون كثيرا في ذلك. وبغض النظر عن صحة المعلومة أو عدم صحتها، التي حاول قائلها تفسيرها اجتماعيا واقتصاديا وفق معرفته بهذا النوع من الممارسات في البلدين، فإنها كانت كافية لإشعال شرارة «معركة ذات المطاعم» بين الطرفين إذ اجتهد كل فريق منهم بتبيان أنه الأكثر إنفاقا على شراء الأكل، وأن مطاعم بلده أفضل من مطاعم بلد الفريق الآخر. صحيح أن بداية مساهمات الفريقين في المعركة كانت على سبيل التفكه والنكتة إلا أن بعضهم انحرف لاحقا فكان جادا في ما يقول ويكتب للدرجة التي استدعى فيها معطيات أخرى للعلاقة بين البلدين في محاولة للانتصار لرأيه معتقدا أن ذلك جزء من الدفاع عن وطنه وكرم مواطنيه. وقبل أن تحسم نتيجة النقاش بين الاثنين، وجدنا أنفسنا نحن المتابعين المندهشين مما يحدث بعد أن انقلب الهزل جداً، في خضم معركة أخرى من ذوات المطاعم، وهذه المرة بين المصريين واللبنانيين، وكانت شرارتها صورة لمائدة فطور عيد الأضحى المبارك في أحد المطاعم اللبنانية. كانت معظم محتويات المائدة عبارة عن لحوم نيئة أي أنها محضرة بلا طبخ كما هو معروف في المطبخ اللبناني التقليدي، ولأن معظم التعليقات المسيئة لتلك المائدة كتبها في وسائل التواصل الاجتماعي مصريون مشمئزون من شكل اللحم النيء على مائدة الطعام، فقد احتدمت الحرب بين الفريقين، وكل منهما يقول إن مطبخه هو الألذ وأطباقه هي الأشهى وبالتالي فمطاعمه هي الأنجح. ورغم طرافة المعركتين مقارنة بمعارك حقيقية تجري حاليا إلا أن دلالاتهما ليست بتلك الطرافة أو البساطة، ومن خلالها نستطيع أن نستقرئ مشهدا من مشاهد حياتنا الاستهلاكية شبه القاتلة. فالحياة الاستهلاكية المعاصرة نمط حياة يتميز بالاعتماد الشديد على المنتجات الاستهلاكية والخدمات، التي يتم شراؤها واستخدامها بشكل يومي. وتشمل هذه المنتجات والخدمات الملابس والأغذية والمشروبات والأجهزة الإلكترونية والسفر والترفيه وغيرها. ويعتبر التغيير في نمط الحياة الاستهلاكية المعاصرة من أهم التحولات الاجتماعية التي شهدتها البشرية في العقود الأخيرة، حيث أصبح الناس يقضون معظم وقتهم في المطاعم والمقاهي، بدلاً من التمتع بتناول الطعام في بيوتهم. ومن الواضح أن هذا الأسلوب الحياتي يتطلب إنفاق مبالغ كبيرة على الطعام، فعلى الرغم من أننا نمتلك القدرة على طهي الطعام في المنزل، على سبيل المثال، إلا أن الكثيرين يفضلون إنفاق مبالغ كبيرة في المطاعم، رغم عدم حاجتهم إلى ذلك، والغريب أن ذلك تحول، إلى معيار من معايير تقييم المجتمع في نمطه العصري ومدى تعبيره عن ذلك النمط. فرغم أن أنواع الأطباق وأسلوب الطهي ومقدار الإنفاق عليها كانت دائما من معطيات ثقافة أي مجتمع من المجتمعات إلا أن الحياة الاستهلاكية الجديدة، المعروضة شرطا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمعرضة بالنتيجة للمقارنة مع ما يعرضه الآخرون أصبحت نوعا من الادعاء الثقافي والاقتصادي الجديد. وهكذا تحول الطعام من كونه غذاء للجسد والصحة إلى عنصر للتباهي والإثارة بالشكل والمقدار وقيمة الإنفاق عليه. في حديث مدون المطاعم السعودي الذي تسبب ب «معركة ذات المطاعم» جانب من الإثارة التي خلقتها الحياة الاستهلاكية الجديدة، وكان من الممكن أن تكون موضوعا لنقاش من نوع آخر يتعلق بقيمة تحولات هذه الحياة ونتائجها المتوقعة علينا كلنا نحن المستهلكين، لكنها تلاشت في غبار المعركة التي لم تحسم بعد للأسف!.