19 سبتمبر 2025
تسجيللكي نفهم لماذا نعيش في الخليج العربي أزمة غير مسبوقة في التاريخ الحديث أي التاريخ الذي وصلتنا أحداثه وسجله المؤرخون علينا أن نتصور بالخيال ماذا يحدث لو شهدت أقاليم أخرى من العالم نفس المسار أي فرض القوة على الحق في المجال السياسي والدبلوماسي الدولي! نتصور افتراضا أن نفس الأزمة بنفس الوقائع تقع صلب الاتحاد الأوروبي! تتفق حكومات ألمانيا وإيطاليا والنمسا على فرض شروطها الارتجالية على حكومة فرنسا وتستعين هذه الدول الأوروبية الحليفة بشريك رابع من خارج منظومة الاتحاد الأوروبي لنتصور فرضا أنه روسيا بدعوى أن شعوب الاتحاد مسيحية وروسيا مسيحية أيضا حتى ولو كانت أرتوذكسية فتوجه هذه الحكومات الأربعة إلى قصر الإيليزيه قائمة (طلبات!) منها على سبيل المثال إغلاق الشبكة الفضائية فرانس 24 بقنواتها الثلاثة العربية والفرنسية والأنجليزية ومنها كذلك تخفيض التمثيل الفرنسي الدبلوماسي مع الصين الشعبية وغلق منصة إطلاق الصواريخ الفضائية بمدينة (غورو) في جزيرة (غوييان) ومنها أيضا غلق القاعدة العسكرية التابعة للحلف الأطلسي في جنوب فرنسا ثم من تلك المطالب تسليم بعض الأشخاص الحاصلين على اللجوء السياسي حسب القانون الفرنسي إلى الدول المطالبة بهم باعتبارهم معارضين لكن دولهم تعتبرهم إرهابيين! ومنها غلق جمعيات خيرية مدنية حرة مثل جمعية إعانة المعاقين وجمعية التجارة العادلة وجمعية إنقاذ المهاجرين الغارقين في البحر المتوسط إلخ.. ومطالب أخرى نكتفي بتخيل هذه المذكورة في القائمة! والحجة التي تقدمها الدول المطالبة هي أن فرنسا خرجت عن الصف الأوروبي وغردت خارج سربها الطبيعي وتعلن الدول الأربع حصارا بريا وبحريا وجويا على فرنسا حتى تضطر طائرات الشركة الجوية الفرنسية إلى تغيير مساراتها المعهودة والالتفاف على الحصار الرباعي وتمهل دول الحصار الحكومة الفرنسية عشرة أيام تمدها بيومين وتمارس حق القوة الغبية ضد المواطنين الفرنسيين وضد مواطنيها أنفسهم عندما تكون مصالحهم وأسرهم مرتبطة بفرنسا بوشائج قوية عريقة! أعتقد أيها القراء الأفاضل أنكم تبتسمون بل بعضكم يضحك بصوت عال عندما تقرأون هذه التصورات الافتراضية فتقارنون بينها وبين ما يقع لدولة قطر! وطبعا تدركون أن ما يحدث في الخليج هذه الأيام لا يمكن قطعا أن يحدث في منظومة سياسية أخرى عبر القارات الخمس لأن تطور العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين جاء سريعا نتيجة تجارب الأمم وتعاقب الحروب وتوالي الأزمات مما حدا بالمجتمع الدولي ونخبة السياسية والفكرية إلى ابتكار حلول سلمية ومتفق عليها لكل أزمة تطرأ بين الدول. أتوقع أن يقول بعضكم أن مثل هذه القصة الخيالية يستحيل أن تقع في الاتحاد الأوروبي وفي القرن الحادي والعشرين بالنظر إلى تطور المستوى الحضاري للأمم وحرصها على احترام نواميس القانون الدولي وامتثالا لمعاهدة فيانا لسنة 1961 المقننة للعلاقات الدبلوماسية بل لعل بعض القراء الكرام يعلق قائلا بأن ما لا يتصوره المرء في دول الاتحاد الأوروبي وحتى الاتحاد الإفريقي لا ينطبق على العرب لأن سلوكيات بعض العرب مع الأسف مزاجية وردود أفعالهم انطباعية ولا عقلانية ولهذه الأسباب فإننا إزاء (دنكيشويات) نسبة للرواية الإسبانية (دونكيشوت مبارز طواحين الهواء) في طبعتها العربية الغريبة غير المبرمجة في شبكة العلاقات الدولية السليمة! وهو ما يؤهلنا في هذه الحال أن نكون أضحوكة المجتمع الدولي لسنوات عديدة قادمة بل وعبرة لمن يريد الاعتبار ودرسا من دروس كليات ومعاهد العلوم السياسية والدبلوماسية في العالم! كيف يظل بعض العرب خارج التاريخ الحديث وعلى هامش الواقع الجديد الذي يفرض نواميسه علينا جميعا؟ الأمم جميعا اعترفت بالحد الأدنى على الأقل من القانون الدولي حفاظا على فرص السلام حتى لو تفاقمت الأزمات وأصبحت الدبلوماسية أي فن التفاوض هي أداة العلاقات الدولية ناهيك لو كانت هذه العلاقات هي التي تجمع بين الأشقاء وعيال العم وأبناء نفس القبائل الأصيلة والذين تربط بينهم مواثيق بعضها مكتوب مثل ميثاق مجلس التعاون وبعضها عرفي متوارث تحكمه الأخلاق والكلمة المعطاة والتقدير المتبادل والمروءة وصلات الرحم!