15 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يتصدع الغرب الرأسمالي ويتفكك؟

10 يوليو 2016

عندما جاء تصويت الشعب البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، طرح كثير من المحللين كثيرا من التوقعات والتنبؤات، لما يكون عليه الغرب مستقبلا، في ظل التفسيرات الكثيرة، من أن يحصل تفكك للغرب، كما حصل للاتحاد السوفيتي في نهاية القرن الماضي، عندما أقدم ميخائيل جورباتشوف على ما سماه، إعادة البناء (البيروسترويكا) التي طرحها بعد تسلمه الحكم عام 1985، وهي ما ساهمت في انهياره، وسقوط المعسكر الاشتراكي كله، وانتهاء النظام الشمولي برمته في هذا المعسكر بعد ذلك، وانضمام بعض دوله إلى الاتحاد الأوروبي. والواقع فالمقارنة بين ما حصل للاتحاد السوفيتي من تفكك وانهيار النموذج الاشتراكي الشيوعي، وبين ما يحدث في الغرب الليبرالي الرأسمالي، بينهما مساحات كبيرة للاختلاف البيّن، لأن النموذج الرأسمالي جرى تجديده وإلغاء التوحش والاستغلال الذي اتسمت به الرأسمالية في القرن التاسع، بعد قيام الثورات، والمطالبات لوقف التجاوزات غير العادلة، وهو ما جعل النظام الرأسمالي يعدل من شراسته، وأصبح العامل في الغرب أفضل من العامل في المعسكر الاشتراكي، وهذا التجديد والتغيير حصل في ظل الحريات العامة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، بعكس النموذج الشيوعي الذي تجمّد وتحجّر عن تغيير وتعديل نموذجه، ما جعل شعوب هذا المعسكر تفقد الثقة في هذا الفكر، وجاءت البيروسترويكا، لتفتح الباب واسعًا لتغيير لتحولات هائلة، سقطت معها أنظمة عديدة، وتوحدت ألمانيا من جديد بعد اقتسامها بين المعسكرين بعد الحرب الكونية الثانية.. وكانت الفكرة الماركسية حاملة أسباب فشلها، فقد انتقت الماركسية بعض مراحل التاريخ وصورته فيما أسمته بـ(الحتمية التاريخية)، كما يقول المرحوم د. مصطفى محمود: "فهم لم يأخذوا التاريخ كله كنموذج ليستنبطوا منه فنون حركته، وإنما أخذوا بعض مراحل التاريخ وفقرات هي التي وجدوا فيها مصداقية كلامهم وأغفلوا الباقي.. وما كان لأحد أن يحيط بالتاريخ كله ولو أراد، وما وصلنا من التاريخ ربما بعضه خضع للأهواء والميول، فالمادة التاريخية مادة خادعة وهي بطبيعتها متعددة المصادر ومتناقضة ومتضاربة ولا يمكن استيفاؤها كلها ولا جمعها كلها بيقين كاف كي يقول فيلسوف التاريخ إلى القول بنظرياته، أو أنه استنبط منها قانون مطلقًا، وقول هذا الكلام هو السذاجة بعينها. ولكن الفكرة الموضوعية العلمية الأمينة لا تقول بأكثر من الترجيح والاحتمال، فالقوانين الإحصائية كلها قوانين احتمالية وكلها ترجيحات لا ترتفع للمستوى، أو على الأصح إلى مرتبة الحتمية أو الإطلاق، ثم إن الإنسانيات لا تجوز فيها الحتمية لأن الناس ليسوا كرات (بلياردو) تتحرك بقوانين فيزيائية، لكنهم مجموعة إرادات حرة تدخل في علاقات معقدة يستحيل فيها التنبؤ على قوانين مادية". فهل النموذج الرأسمالي الغربي أصابه بعض التصلب والتحجر، كما جرى للنظام الشيوعي؟ لا شك أن سنن الحياة للإنسان والدول من حيث الصعود والسقوط، أو التقدم والتراجع، أو تشيخ مع مرور الزمن، حقيقة واقعة أن يتم التجديد في النموذج، وسد مواطن الخلل والفساد، ما يجعلها تنكمش وربما تتفكك، وهذه معروفة عند الكثير من المؤرخين. ومن أسبق هؤلاء الذين تحدثوا عن هذه التحولات، العلامة ابن خلدون الذي أشار إلى دورة الحضارات في عمرها الافتراضي في الصعود والسقوط، وسماه (طبائع العمران) في التغير الذي يصيب الدول والمجتمعات، ويأذن بتراجعها وانهيارها، والدورة الحضارية من ضمن السيرورة التاريخية، في حياة الأمم والدول، لكن يمكن تلافي هذه السيرورة الطبيعية من خلال التجديد والتغيير في حركة مداواة العطب التاريخي للسيرورة، عند ظهور الأعراض، لكن هل ما جرى في الغرب الليبرالي، تنطبق على مثل هذه الأسباب؟ ابن خلدون قال إن "الظلم مؤذن بخراب العمران"، والغرب تحدث عن المبادئ التي يحملها بعد عصر الأنوار في الحرية والمساواة والحقوق العادلة، لكنه لم يتمسك بتلك المبادئ التي يتحدث عنها، وتجد الكثير من المظالم تعشش في ظلم قوانين ونظم تم تسميتها لكل الإنسانية في هذا العالم، لذلك فإن بغياب تلك المبادئ عن التطبيق تظل الدول في حالة من التوترات والحروب والصراعات التي تعد من المقدمات لفساد العمران وانحلالها.