15 سبتمبر 2025

تسجيل

فتنة المال (2)

10 يوليو 2015

فيما يخص المال فثمةَ أربعةُ آفاتٍ وغوائل، تفتك وتَغول دين المرء وحياته وآخرته، إن لم يحترز ويحذر منها، تمثل ما في المال من فتنة، يُفتن بها المرء؛ الأولى: طريقة اكتسابه ووجْهُ إنفاقه، الأمر الذي لا تزولُ قَدَما العبد عن موقف الحساب يوم القيامة حتى يسأل عنه، كما جاء في الحديث:(لا تزولُ قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ عَمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟).فالمال لا يطلب إلا من وجوه ما أحلَّ الله، ويجب على العبد أن يَسْتَبرِئ لدينه وعِرضه من الحرمات والشبهات، وكلٌ من الحلال والحرام بيّنٌ في كسب المال، فإن ارتاب العبد في شيءٍ يتركه إلى ما لا يَريبه، فإنّ درهماً واحداً من حرام، يفسد سائر المال الحلال، ويمْحَقُ بركته، وما لا بدَّ أن يعلم ههنا، أنها مسألة مبدأ، وأنّ سارق البيضة كسارق الجمل، وما أسْكَر كثيرُه فقليله حرام، فدرهمٌ واحدٌ من حرام، كألف درهم، لا فرق بينهما، وإن للشيطان مدخلاً عظيماً على الإنسان من هذا الجانب، يلبِّس عليه الحق والصواب به، فيوهِمه أن القليل واليسير من الحرام، لا ضير ولا بأس به، فيمشي معه، حتى يسوقه الشيطان وراءه إلى كبائر الموبقات والمهلكات، من حيث لا يحس ولا يدري، بعد أن أراه الشيطان الباطل حقاً، والحقَ باطلاً، فأمسى لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، لذلك قال المولى تبارك وتعالى:(ولا تتبعوا خُطُوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين)، ونعوذ بالله من الزمان، الذي أخبر عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال:(يأتي على الناس زمانٌ، لا يُبالي المرء ما أَخَذَ منه، أمِنَ الحلال، أم من الحرام)، نسأل الله السلامة والعافية.وكسب الحرام يكون في الأموال، وكذلك في العُرُوض من الأمتعة، وانظر وتأمل في الحديث الآتي، وهو من أعلام نبوته ودلائلها عليه الصلاة والسلام، في رجلٌ غَلَّ بُردة، فكانت سبب عذابه في القبر، قال راوي الحديث أبو رافع مولى رسول الله:(بينما النبي عليه الصلاة والسلام، يسرعُ إلى المغرب، مرَرَنا بالبقيع، فقال: أفٍّ لك، أُفٍّ لك، قال: فكَبُرَ ذلك في ذَرْعي، فاستأخرتُ وظننتُ أنّه يريدني، فقال: ما لك امشِ، فقلت: أحدَثْتُ حدثاً؟ قال: ما ذاك؟ قلتُ: أفَّفْتَ بي، قال: لا، ولكن هذا فلانٌ بعثتُه ساعياً على بني فلان، فغلَّ نَمِرَة- بُردةٌ من صوف تلبسها الأعراب- فدُرِّعَ الآن مثلها من نار).أما إنفاق المال، فيتحرى في حاجات المعيشة الضرورية، ثم فيما أحله الدين من المباحات الكمالية، يصيب بها العبد حظه من الدنيا، بشرط ألا يتوسع ويَفْرُط فيها، فتؤدي به إلى الإغراق والمغالاة في الترف والتنعّم، ثم التَرَدّي في مهاوي الإسراف والتبذير، وأذكر في هذا الجانب حكمةً جاءت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن جابر بن عبدالله مرَّ ومعه لحمٌ، على عمر رضي الله عنهما، فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريتُه، قال: أو كلَّما اشتهيت شيئاً اشتريته؟ أمَا تخشى أن تكون من أهل هذه الآية (أذهبتم طيِّباتكم في حياتكم الدنيا).