03 نوفمبر 2025

تسجيل

ضياع الأوقات

10 يوليو 2014

إن الإنسان المطيع لله تعالى هو الذي يسعى نحو القرب والكمال، يغتنم الأيام والليالي في سبيل الظفر بجنة عرضها السموات والأرض. وإن المسلم في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان شهر القرب والإحسان والطاعة والغفران، فهو يسعى لعمل الخير ونشر الخير، يسعد نفسه ويسعد من حوله، فإن مبادئ الإسلام وقيمه ترشد الإنسان بالحسنى لمحاولة إقناعه أن محبته الشديدة للمال والثراء قد تورده المتالف، وأنه لو فكر في حقيقة ما يملك وفي عاقبته لرأى أن السماحة أفضل من الأثرة، والعطاء خير من البخل والعمل خير من الكسل والمحافظة على الأوقات من أفضل الطاعات. أما إنها أيام تمر وسنوات تعد ولا ندري أنعد الأيام أم الأيام هي التي تعدنا وإننا وسط هذا وذاك من الغافلين، فالمسلم الحق الصادق يقظ القلب متفتح البصيرة منتبه إلى بديع صنع الله في الكون، موقن بأن يده الخفية العليا هي التي تسير أمر الكون وشؤون الناس، ومن هنا هو ذاكر دوما لله تعالى يرى آثار قدرته غير المحدودة في كل ومضة من ومضات الحياة، وفي كل مشهد من مشاهد الكون. فيتذكر صيامه ويتعظ بأيام الله ويغتنمها في التقرب إلى الله بالطاعة والامتثال لأمره ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فيزداد إيمانا به وذكرا له، وتوكلا عليه ويعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الكون عبثا، فهو موقن بالبعث وسوف يسأله الله عز وجل عن أعماله وأوقاته، فهو يقرأ قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد) المجادلة: 6، فلا يجلس فريسة لوسائل التواصل الحديثة، فيضيع وقته ويقل عمره وهو سيسأل عن ذلك يوم القيامة. وإن المتأمل في آيات الله عز وجل، تتجلى أمام عينيه أهمية الوقت وقيمته وحيث يقسم الله تعالى بالوقت على مختلف مدارات الزمن في كثير من الآيات ومنها الفجر والضحى والصبح والشمس والقمر والليل والنهار، فإن الإسلام دين يعرف قيمة الوقت، يقدر خطورة الزمن ويؤكد الحكمة الغالية أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.ولمعرفة أهمية الوقت وقيمته في الشريعة الإسلامية لابد أن يدرك المسلم أن الإسلام قد وزع عباداته الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العام، فالصلوات الخمس تكتنف اليوم كله ورب العالمين لم يخلق شيئا عبثا، وقبيح بالناس أن يظنوا محياهم في هذا الوجود الرتيب سدى، الناس في غفلة عن هذه القيمة وهي قيمة الانتفاع بالزمن، إنه الميدان الذي أعد للسباق الطويل، السباق الذي لا يتقدم فيه إلا من يعرف ربه ويذكر حقه ويشكر نعمه، ومن يجعل من تواصل السنين تواصل دأب ونصب لإحراز الراحة الكبرى، أما الذاهلون عن هذه المعاني الهائمون وراء منافعهم المعجلة، فهم حمقى لا ينتصحون من حكمة ولا يستفيدون من درس، فتهيأ أيها المسلم للانتفاع من وقتك وعدم ضياعه سدى وتأمل أنه ما من يوم ينشق فجره إلا نادى منادٍ من قبل الحق: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة. فإن عمرك رأس مالك الضخم، ولسوف تسأل عن كل لحظة قضيتها وتصرفك فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن عمله ماذا فعل فيه) رواه الترمذي، والإسلام نظر إلى قيمة الوقت في كثير من أوامره ونواهيه، فعندما جعل الإعراض عن اللغو من معالم الإيمان كان حكيما في محاربة طوائف المبطلين، الذين ينادي بعضهم بعضا، تعالَ نقتل الوقت بشيء من التسلية وما درى الحمقى أن هذا لعب بالعمر، وإن قتل الوقت على هذا النحو إهلاك للفرد وضياع لعمره.