03 نوفمبر 2025
تسجيلعمر بن الخطاب الذي له خير مثلٍ في كسر شِرَّة النفس، حين تشمخ بأنفها، ويركبها العُجب والغرور، عندما قال على رأس المنبر، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه: لقد رأيتُني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضْنَ لي القبضة من التمر والزبيب، فأظل يومي، وأيٌّ يوم، ثم نزل فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قَمِئت نفسك- أيْ عبتها- فقال: ويحك يا بن عوف، إني خلوت فحدثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك! فأردت أن أعرّفها نفسها.أجل هذا هو عمر الذي حدث عن نفسه فقال:(يا بن الخطاب كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟).ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خير مثلٍ في إقامة العدل وردع المتكبر، ورده إلى جادة الصواب، وتلقين معنى التواضع السامي للناس أجمعين، حينما جاءه رجلٌ من أهل مصر، يشكو ما أصابه من ظلم ولد عمرو بن العاص، وكان عمروُ والياً على مصر، قائلاً: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين- ما حمله على هذا القول، إلا التكبر والغرور- فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم مع ابنه، فلما قدما قال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الألْأمين- هذه الكلمة بتلك- ثم قال عمر للمصري: ضَعْ على صلعة عمرو فو الله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه. فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد استَقدْت منه. فقال عمر: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه، ثم التفت إلى عمرو مغضباً، وقال قولته الشهيرة، التي خطها التاريخ بمداد الخلود، ورددتها الأمم والأجيال، كخير ما قيل من الأمثال، في حرية وكرامة بني الإنسان:(متى استعبدتم الناسَ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!).نأتي على ذكر شيءٍ من تواضع ثالث الخلفاء الراشدين، عثمانَ بن عفان رضي الله عنه، نواصل به سرد بعض النماذج من تواضع أولئك العظماء حسب ترتيبهم التاريخي.عثمان الذي رُئيَ على المنبر، في يوم الجمعة وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة أو خمسة دراهم. وعن الحسن أنه قال: رأيت عثمان بن عفان يقيل- ينام القيلولة- في المسجد وهو يومئذ خليفة، ويقوم وأثر الحصى بجنبه، فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين.وكان رضي الله عنه، يلي وضوء الليل بنفسه، فقيل له: لو أمرت بعض الخدم فكفوك. قال:(لا، الليل لهم يستريحون فيه)، انظروا إلى تواضع عثمان ورحمته، التي قلما توجد عند الناس في زمننا هذا، ولا سيما في تعاملهم مع خدمهم، ذكَرني ذلك بموقفٍ لعمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه، وكان عنده ضيف بالليل، وكاد السراج يُطفأ، فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه. قال عمر: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه. فقال الضيف: إذن أنبّه الغلام، قال عمر: إنها أول نومة نامها فلا تنبّهه، وذهب بنفسه وملأ المصباح زيتاً. فقال له الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين! فأجابه قائلاً:(ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيءٌ، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً).