13 سبتمبر 2025
تسجيللا أحد فينا يعتقد ولو عبثا انه ناجٍ من الموت، فكل نفس ذائقة الموت وكل نفس لها ساعة وأجل، وإن كان إيماننا العميق وتعاليم ديننا الإسلامي السمح المستنير، قد علمتنا أن نستعد لذلك اليوم، وتلك الساعة التي نواجه فيها الرب الكريم خالين من متاع الدنيا وزخرفها، ولا يبقى معنا سوى العمل، سواء أكان صالحاً أم طالحاً، أم من هذا وذاك. ولاشك أن فكرة الر حيل والموت تراود كل إنسان أيا كان معتقده أو دينه، ولكن ما يميزنا عن أي ملة أخرى أننا نؤمن بالله ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالساعة والحساب والجنة والنار، والقدر خيره وشره. وهنا أود أن أحكي حكاية قرأتها منذ عدة أيام عن رجل كوري اسمه هايسون، ففي يوم عيد ميلاده الثاني والستين شعر بالموت يقترب منه، وفكر كثيراً في اللحظة التي سيجيئه فيها ملك الموت، وسأل نفسه لمَ الانتظار، ولماذا لا أكون مستعداً؟.. ففكر في الانضمام إلى دورة تدريبية على ملاقاة الموت. وهنا ارتدى هايسون الملابس التقليدية الصفراء للمتوفى في كوريا، ورقد في سلام داخل النعش إلى أن جاءه رجال متجهمون متشحون بالسواد وأغلقوا عليه النعش بإحكام، حينها شعر بأقسى مخاوفه.. لقد حل الظلام الأبدي. ويحكي هايسون عن تجربته قائلاً: لوكالة رويترز "لقد تنفست الصعداء حين تذكرت أن هذه ليست جنازتي الحقيقية بل مجرد جنازة وهمية.. هناك خطوة واحدة تفصلنا بين الحياة والموت لكنها هائلة". ويذكر أنه انضم إلى نحو 70 شخصاً اشتركوا في دورة تدريبية بعنوان "الموت بشكل جيد"، نظمها مكتب تابع للإدارة المحلية في شمال غرب العاصمة الكورية الجنوبية سول، وكان شعار الدورة "لا تعتبر الحياة شيئاً مسلماً به" وعش وكأنك تعيش أبداً. وقال كانج كوانج اه، وهو مدرب في الدورة: إن تجربة الاقتراب الفعلي من الموت يمكن أن تفيد كثيرين من كل أطياف الحياة كباراً وصغاراً. وقالت بايك سونج اوك، وهي: مريضة بالسرطان: إن تجربة الرقاد في النعش جعلتها أكثر تقديراً لكل ما حولها، مضيفة: "لن أكون جشعة بعد الآن.. سأقترب من زوجي، وأعبر عن حبي لأولادي أكثر". والحقيقة لقد وددت أن أحكي تلك الحكاية عن رجل فكر كيف سيواجه مصيره في صندوق مظلم، ونحن وغيرنا الملايين ممن تشغلهم الدنيا لا نفكر في تلك الساعة، وكأننا سنعيش أبداً وسط الجشع والطمع ووسط أطماع الدنيا ننسى، وبكل تأكيد اننا نحتاج من حين الى آخر لشيء يذكرنا، وربما يتذكر بعضنا عندما نفقد عزيزاً أو يمرض قريب أو نرى فاجعة لإنسان، ولكن سرعان ما نعود إلى الدنيا نلهث وراءها، وهي لا تتوقف ونحن أيضا لا نكف عن الطمع، ولقد كان السلف الصالح يحبون لقاء الله!! والشوق إلى لقاء الله — تعالى — لا يكون إلا بالهروب من مساخط الله — تعالى — ومعاصيه، كما أنه لا يرجو لقاء الله — تعالى — إلا من أحسن العمل، لقوله — تعالى —: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(العنكبوت: 5) لقاء الله — تعالى — أن يتلبَّس دائماً بالأسباب الجالبة لمحبة الله — تعالى — من قراءة القرآن بالتدبر، والتقرب إليه — تعالى — بالنوافل بعد الفرائض، ومن دوام ذكره على كل حال، ومن إيثار محابِّه على محابِّك، لاسيما عند غلَبات الهوى، ومطالعة القلب لأسمائه وصفاته، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، ومشاهدة بِره وإحسانه، وانكسار القلب بين يدي الله — تعالى —، والخلوة به وقت النزول الإلهي، ومجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب كلامهم كما تُنتَقى أطايب الثمر، ومباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله — تعالى —. وأخيراً هي دعوة ووقفة للتأمل في تلك الحياة التي لا تساوي أن نتنازع عليها لحظة، وان نركض وراءها برهة، فهي متاع زائل أحبتي الكرام، فنحن على مشارف شهر كريم ننتظره بفارغ الصبر، فلنستعد له ونغسل قلوبنا من الحقد والغل والحسد، ونتقرب الى الله بأعمالنا الصالحة، وبالتقوى وأسأل الله لي ولكم الهداية وسلامتكم. [email protected]