13 سبتمبر 2025
تسجيلعندما تضرب الهزيمة النفسية بأنيابها في جسد أي شعب من شعوب الأرض، فلن ينقذهم من الهلاك والدمار شيء قبل أن يغيّروا ما بأنفسهم، وهذه من سنن الله الثابتة في أرضه والتي تنطبق على كل عباده. ففي نهاية سنة 1591 ميلادية وصلت سفن القائد الإسباني (كورتيز) إلى سواحل خليج المكسيك غازياً على رأس قوة صغيرة إلا أنه حقق الأعجوبة والمعجزة بأن حطم واحدة من أكبر الامبراطوريات على وجه الأرض بتعداد سكان بلغ حوالي 5 ملايين نسمة منتشرين في ما يقارب الأربعمائة قرية ومدينة تحكمها جميعاً عاصمة أسطورية (تينوشتيتلان)، والتي بنيت على جزيرة اصطناعية يتوسطها هرم كبير شاهق في واحدة من أعاجيب الدهر المندثرة لشعب وحضارة (الأزتك) العظيمة. فكيف تمكنت قوة صغيرة تافهة من القضاء على امبراطورية عملاقة وشعوب قوية وكثيرة وتحيط بهم من كل جانب؟ والحقيقة أن كورتيز هذا كان مرتزقاً حقيراً تافهاً ولم يكن بالقائد ذي الشأن العظيم، ولكن الجواب يكمن في الانهيار النفسي والعقائدي الذي كان (الأزتك) يعيشونه في تلك الفترة. كانت حضارة الأزتك قد بلغت شأناً عظيماً في الحضارة والتطور، فبرغم عدم معرفتهم باستخدام معدن الحديد بشكل واسع، وبرغم انعزالهم عن باقي العالم القديم وأوروبا والعالم الإسلامي المتطور، إلا أنهم تمكنوا من بناء أهرامات تعتبر أعجوبة في فن الهندسة المعمارية وكذلك شبكة طرق معقدة تربط الامبراطورية المترامية، التي تبلغ في مساحتها مساحة انجلترا وفرنسا وإسبانيا مجتمعة، وكذلك طوروا حساباتهم الفلكية فكان لهم تقويم سنوي من 365 يوماً ساعدهم على ازدهار الزراعة في أرضهم الخصبة بالإضافة إلى تطورهم التجاري والصناعي والسياسي، وكانوا أيضا شعباً شجاعاً يقدرّون الشجاعة والشجعان ما ساهم في اتساع حدود الامبراطورية العظيمة على حساب أعدائها واستمرّوا في هذا العلو والصعود والتمكين في الأرض حوالي مائتي عام حافلة بالإنجاز والتطور والحروب والبطولات والفن والفلسفة وغيرها. ولكن في أواخر أيام الامبراطورية الوثنية، تنبأ كهنة الأصنام بعودة إله الشر(كيتزال كوتل) - الذي كانوا يصورونه على شكل أفعى يكسو جسمها الريش- والذي نفته بقية الآلهة وطردته من مدينتهم المقدسة فتوعد بالعودة والانتقام بجيش من باطن الأرض ليقضي على كل أشكال الحياة بحسب الأسطورة الازتكية الغريبة. أبلغ الكهنة هذه الرسالة المرعبة للامبراطور (مونتيزوما) أو (موكتيكزوما) ما أصابه بالحيرة والخوف في آن واحد، إذ لم يخطر له على بال أن يكون هو الامبراطور الأخير على وجه الأرض على حد علمه، وفي هذه الأثناء وبينما هم في حيرة ويأس لتفسير هذه النبوءة المشؤومة، وصلت إلى الامبراطور تقارير مرعبة جعلته يرتجف من شدة الخوف على عرشه الامبراطوري، ويقتنع أنها النهاية المحتومة بدون أدنى شك، وذلك حين تواترت إليه تقارير أخرى أن (جبالا عائمة) وصلت إلى شواطئ الامبراطورية، وكانت تلك هي البوارج الحربية الإسبانية، التي جاء عليها كورتيز ورجاله، ولأن الازتك لم يعرفوا تلك الصناعة اعتقدوا أن السفن جبالا عائمة لضخامة حجمها. ثم إن التقارير استمرت بالتوالي مفيدة بأن تلك الجبال انشقّت وانفرجت عن (آلهة) غربية كان سلاحهم من حديد ولباسهم من حديد ويبلغون طولاً عظيماً يبلغ ضعف حجم الإنسان العادي، ويمشي أحدهم على أربعة قوائم غير يديه التي تطلق نيران فتاكة لها أصوات أقوى من الرعد فتقتل أقوى الرجال في غمضة عين. طبعاً كان ذلك الوصف للفرسان الإسبان وبنادقهم، ولأن الازتك لم يكونوا يعرفون الخيول ولا البنادق اعتقدوا أن الفارس والفرس كائن واحد وكانوا يظنون البنادق أسلحة إلهية لا يمكن مجابهتها بأي شكل من الأشكال. وهكذا وبالرغم من كون الأزتك أكثر عددا وعدة وأعرف بمداخل الأرض ومخارجها، لكن ولشدة انهزامهم النفسي وإحباطهم الشديد سارعوا بتقديم فروض الولاء والطاعة بل وصل الأمر ببعضهم إلى حد عبادة هذه الآلهة التي لا تقهر حتى أنهم سلموا عاصمتهم المقدسة بدون حرب لشدة ما استقر في نفوسهم من رعب كان أساسه خرافة لا مصداقية لها. وأتساءل عزيزي القارئ، هل لو خرج فيهم رجل وعارض وجود هذه (الآلهة) المزعومة وقاتلها حتى لو قدم نفسه وماله وأهله في سبيل معتقده بل في سبيل أرضه، وحتى لو اتهمه كهنة الأزتك بالهرطقة والكفر وحاربوه وقاوموه وانضموا مع آلهتهم المزعومة ضده، الم يكن التاريخ سيخلّد اسمه كبطل وينسى أسماء كهنة المعبد؟. فما بالنا نكاد نرى أشباه أولئك الكهنة حولنا؟ [email protected]