16 سبتمبر 2025
تسجيلمن أفضل مواسم الدعاء وأقربها إلى القبول والاستجابة شهر رمضان المبارك، فالدعاء من العبادات العظيمة الجليلة على سهولته ويُسره، وهذا من فضل الله على عباده، وقد أمر الله تعالى عبادَه بالدعاء، قال تعالى في محكم كتابه: (وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر:60. وجاء في الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَةُ» رواه أحمد، وصححه الألباني. ومن أفضل الأوقات التي يُلتمَس فيها الدعاء ويُطلب أيام رمضان ولياليه. ونؤكد أيها الفضلاء أن الدعاء في هذا الشهر الكريم من الأوقات التي يُرجَى فيها القبول والإجابة. فلنجتهد، فالفرصة سانحة والمناسبة كريمة والوقت مبارك وأيام العشر من أفضل أيام رمضان. فيجب علينا الإكثار من الدعاء والتوجه لرب السماء يدعو الفرد فيها لنفسه بالخير ولأهله بالصلاح ولمجتمعه بالخير والفلاح، فما أرقى هذا التوجه وقد جعله الله جل وعز عبادة. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ - يعني في رمضان - وَإِنَّ لِكُلِّ مُسلِمٍ فِي كُلِّ يَوم وَلَيْلَةٍ دَعْوَة مُسْتَجَابَة». ولعل هذا هو السر في ذكره تعالى للآية الكريمة الدالة على الدعاء وسط الآيات التي تتحدث عن أحكام الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: (186)]. إرشادًا إلى الاجتهاد في الدعاء وسؤال الله من فضله العظيم في كل وقت وعند كل إفطار وفي السَّحَر وعلى كل حال. والصائمون من الذين خصَّهم النبي باستجابة دعائهم؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ»... ذكر منهم الصائم حتى يفطر. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا». وعن عبادة بن الصامت قال: قال عليه الصلاة والسلام: «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ». والدعاء له آداب ومواطن طيبة يجب على المسلم أن يحافظ عليها: 1- أن يخلص العبد في دعائه لله -تعالى- فلا يدعو معه أحدًا بل يدعوه وحده لا شريك له كما أمر الله بذلك: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) فدعاء غير الله وسؤاله كدعاء الأموات مثلا أو الأحياء، شِرك تَحبط به الأعمال ويُجنَى به غضب الله الواحد القهار: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ). 2- دعاء الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى والثناء عليه وحمده كما قال تعالى: (وَلِلّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا). ثم بعد ذلك الصلاة على خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم. 3- الدعاء بالخير والبعد عن الإثم وقطيعة الرحم والاستعجال، ففي صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ». 4 -حسن الظن بالله -تعالى- فإن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه قال -صلى الله عليه وسلم-: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ». قال عمر رضي الله عنه: أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فمن ألهم الدعاء فإن الإجابة معه. 5 - إطابة المأكل والمشرب والملبس. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا.... ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». 6 - تحري أوقات إجابة الدعاء، وذلك نحو الدعاء في شهر رمضان عامة، وفي ليلة القدر خاصة، وجوف الليل الآخر، وعقب الصلوات المكتوبات، وبين الأذان والإقامة، وساعة من كل ليلة، وعند النداء للصلوات المكتوبة، وعند نزول الغيث، وساعة من يوم الجمعة، وأرجح الأقوال فيها أنها آخر ساعة من ساعات العصر يوم الجمعة وقد تكون ساعة الخطبة والصلاة، وعند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة، وفي السجود، وعند الدعاء بـ"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، والدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، وعند دعاء الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ودعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، ودعاء يوم عرفة في عرفة، وعند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، وعند الدعاء في المصيبة بـ "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها"، والدعاء حالة إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص، ودعاء المظلوم على من ظلمه، ودعاء الوالد لولده وعلى ولده، ودعاء المسافر، ودعاء الصائم حتى يفطر، ودعاء الصائم عند فطره، ودعاء المضطر، ودعاء الإمام العادل، ودعاء الولد البار بوالديه، والدعاء عقب الوضوء، وغير ذلك من الأوقات. والمؤمن يدعو ربه دائمًا أينما كان (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ولكن هذه الأوقات والأحوال، والأماكن تخص بمزيد عناية. وفي رمضان تتجلّى أوقات الدعاء المستجاب حيث العطش والانكسار والطاعة الكاملة، وقت نزول الملائكة، يحسن الدعاء، فهو -كما بينت الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سلاح المؤمن وملاذه عند خوفه ومأواه عند فزعه. اللهم إنَّا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله.