12 سبتمبر 2025

تسجيل

ذاهب إلى الله (2-2)

10 يونيو 2016

تحول البطل محمد علي من أسطورة على حلبات الملاكمة إلى أيقونة للضمير لأمريكا والإنسانية عندما تمرد على العبودية ورموزها، ورفض الاستعمار والحروب والظلم، ووصل إلى ذروة التحدي للمؤسسة الأمريكية الرسمية برفضه الالتحاق بالجيش للقتال في فيتنام ضد الشعب الأعزل، واتهم الولايات المتحدة بتنفيذ سياسة استعمارية وشن حرب عدوانية على بعد 10 آلاف كيلو متر من أمريكا، ووصل به التحدي إلى ذروة أخرى بمشاركته في الفعاليات المناهضة للحرب، واستخدم شعبيته ونجوميته ضد الإدارة الأمريكية ومؤسساتها، خاصة المؤسسة العسكرية وصناعة السلاح. أدى موقف محمد إلى استنفار المؤسسة الأمريكية الرسمية، السياسية والعسكرية ضده، وحكموا عليه بالسجن ونزع لقب بطولة العالم منه، لكن ذلك لم يفت في عضده، بل مضى في تحديه بطريقة وضعت الإدارة الأمريكية في القفص، وتحول إلى قطب ضد الحرب والعبودية وصانعي الحروب في واشنطن، ما دفع القضاء الأمريكي إلى إلغاء القرارات الصادرة بحقه.رحلة محمد علي مع البطولة دخلت في مرحلة أخرى أشد أهمية، وهي مرحلة اكتشاف الذات، وكان السؤال الكبير هو الذي طرحه: من أنا؟ من هو "كاسيوس كلاي هذا؟، وقرر أن يصعد تمرده بالتخلي عن اسم "كاسيوس كلاي" واعتناق الإسلام واتخاذ اسم جديد له هو "محمد علي"، وهو الاسم الذي اختاره كعنوان للحرية والقطعية مع العبودية، لقد رأى في الإسلام عقيدة صافية ودينا يتبنى الحرية والعدالة والمساواة، وقام بجولة في بعض البلاد العربية والإسلامية، وزار مكة المكرمة فوجد الناس من كل الأجناس والألوان والأعراق صفا واحدا، فزاد يقينه بصحة الإسلام، وأصبح داعية للإسلام وعقيدته الصافية، واستخدم شعبيته ونجوميته في عرض تعاليم الإسلام، وأسس الإيمان به عن اقتناع وتباهٍ وتفاخر بدين يساوي بين كل البشر.لقد كان محمد علي رحمه الله رجلا محلقا معتبرا أن "أي شخص بلا خيال يكون بلا أجنحة"، وأصر على المثابرة وقال: "كنت أكره كل دقيقة تدريب، ولكن كنت دائما ما أقول لا تستسلم عليك المعاناة الآن من أجل أن تعيش باقي حياتك بطلا"، وهو الذي آمن بأن "مساعدة الآخرين هي الأجر الذي تدفعه لقاء مسكنك في الأرض"، واعتبر الشجاعة أكسير الحياة "فالشخص الذي لا يتمتع بالشجاعة الكافية لن يحقق أي شيء في هذه الحياة".كان خفيف الدم حكيما ووصف الملاكمة ذات أنها "مجموعة من البيض يشاهدون أسودين يضربان بعضهما البعض"، وواثقا من نفسه وعبر عن ذلك بقوله "إذا حلمت مرة بالفوز علي، فمن الأفضل أن تستيقظ وتعتذر لي.. أنا الأفضل. كنت أقولها دائما قبل أن أعرف أنني كذلك"، وهو نفسه القائل: "الله أصابني بهذا المرض (الشلل الرعاش) حتى يظهر أنني إنسان ضعيف مثل أي شخص". اعتراف العبد لربه لا عبودية البشر، وتوج ذلك بعبارته الشهيرة: "الشخص الذي يرى الحياة في سن الخمسين كما كانت في العشرين قد ضيع 30 عاما من حياته هباء".محمد علي.. الأسطورة الآدمية الحية رفض أن يوضع اسمه في نجمة على الأرض في شارع المشاهير في هوليوود لأنه اعتبر أن اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن تدنيسه ووضعه على أرض هوليوود، ولذلك وضع الاسم على الجدار وليس على الأرض.. رحم الله البطل والأيقونة الإنسانية محمد علي وغفر له وأسكنه الجنة.