17 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا لم يعتبر العرب بذكرى حرب الأيام الستة ؟

10 يونيو 2015

مرت الذكرى الثامنة و الأربعون لحرب الخامس من يونية 1967 مرور الكرام كأنما أصيب العرب بفقدان الذاكرة و فضلوا دفن رؤوسهم في رمال التاريخ و محو تلك الذكرى تماما بينما يقتضي وضعنا العربي الراهن أن نستخلص العبرة من هزيمة جيل كامل حكمته أيديولوجيات دخيلة تسمى القومية و التقدمية و الاشتراكية و شعارات جوفاء من نوع لا صوت يعلو على صوت المعركة حتى خسرنا كل المعارك. كنا في الخامس من يونية 1967 في العشرين من أعمارنا الغضة نحلم باستعادة أمجاد الأمة و ربما كنا نصدق أحمد سعيد وهو يصرخ في إذاعة صوت العرب بأن موعد الجيوش العربية هو في تل أبيب و كنا نسمع إذاعة البي بي سي تقول ليلة الرابع من يونية بأنه على الجانب الإسرائيلي لا شيء يوحي بالحرب أما على الجبهات العربية فالأناشيد الحماسية تشيد بالنشامى و كان المشير الركن المهيب يتجول بين صفوف العسكر و صدره مزين بالأوسمة الملونة و النياشين اللماعة ! و كانت ذكرى مصرع ملك العراق فيصل و رئيس حكومته نوري السعيد ووزرائه و أفراد عائلاتهم حاضرة بعد في الأذهان و على إثرها سالت دماء اللواء الرئيس عبد الكريم قاسم نفس العسكري الذي قتلهم وسحلهم في شوارع بغداد و ما تزال سوريا آنذاك تعج بالمساجين من رؤساء و سياسيين و مثقفين ولا تقدر على حشد الجيوش أو تحقيق النصر و مصر كانت تحت وطأة الصراع الدموي بين عبد الناصر و الإخوان المسلمين حيث وصلت المحنة إلى إعدام المفكر سيد قطب في أغسطس 1966. كان الشعب العربي في الشهر السادس من سنة 1967 يحاول الخروج من نير الاستعمار و التخلف و كانت الجماهير العربية ترجو من حكامها تحمل أمانة نصرة فلسطين و لكن الهزيمة كانت في جينات تلك الأنظمة ! لم تدرك النخب الحاكمة حينئذ أن ماهو مطلوب من الدول ليس سوى إشراك الناس في سن الخيارات و إعطاء الحريات العامة لمنع الاستبداد و الفساد ثم التعامل مع العصر بأدوات العصر أي بالمنطق و مراعاة الواقع و احترام الاختلاف و كسب الرأي العام العالمي باحترام القانون الدولي. فكانت كارثة الهزيمة التي سميناها نكسة مبرمجة في سياق التاريخ. حينما يعود للعقل العربي وعيه الغائب فإنما نتفاءل و نتوقع نهضة الأمة بفضل انتصار التأصيل على الاستئصال،بعد أن عشنا أعمارنا (من أجل هذه اللحظة التاريخية) كما قال قائل من تونس سنة 2011 و ننتظر بزوغ هذه الشمس الساطعة الغراء وإنبلاج هذا الفجر المقدس.و بالرغم من الدروس القاسية التي ألقاها علينا التاريخ منذ 1967 و تفجيرات العنف التي تعصف بدول الشرق الأوسط و تقتل العرب الأبرياء، فإننا نعيش مرحلة مخاض عسيرة أحد مؤشراتها أن أعدادا كبيرة من شبابنا العربي يختار اليوم بين أن يركب زوارق الموت الصغيرة التي تحمل زهرات شبابنا عبر البحر الأبيض المتوسط ليلتحقوا بسواحل أوروبا حاملين شهادات لم تنفعهم في أوطانهم، أو السفر إلى ليبيا أو العراق أو سوريا للانضمام للجماعات المسلحة وبالرغم من أننا كنا منذ عقود نقرأ إحصاءات الأمية المتفشية في البلدان العربية في تقرير منظمة الألكسو العربية ، أو نسمع زعماء العالم الأقوياء يتوعدوننا بالويل و الثبور و عظائم الأمور اذا لم نصلح تعليمنا و نغير خرائطنا ونحرر مجتمعاتنا، فإن أول ما كنا نفكر فيه هو أن العقل العربي مني بهزيمة نكراء أو للتفاؤل لنقل نكسة كما فعلنا مع الخامس من يونيه 1967.كل من يقرأ تاريخ العقل العربي منذ انتشار الرسالة الإسلامية إلى اليوم، يقف حائرا حسيرا أمام النكبة التي أصابته و الانحدار الذي اعتراه. هذا العقل الذي قدم للإنسانية علوم الرياضيات و الفلك و الجغرافيا و الجبر و الطبيعة و أسس لها علم الاجتماع و فلسفة التاريخ و أبدع الأدب و الفنون و عرف كيف ينقل عن الثقافات المختلفة و يضيف إليها دون عقدة أو انغلاق. كيف تقهقر إلى الوراء و تجمدت أطرافه و تصلبت شرايينه و لحقه عفاء الزمن؟ إنها ظاهرة خطيرة أن يتقلص العقل العربي إلى دور التقليد بعد مجد الإبداع و أن يقتصر على التبرير عوض التفكير و أن تجف منابع الاجتهاد ليتحول العرب إلى ببغاوات التقليد والتكرير و إعادة إنتاج ثقافات الأمم الأخرى في عالم لا مكان فيه إلا للمبدعين و لا سيادة فيه إلا للمبتكرين!أين انتفاضة أبي ذر الغفاري و ثورة ابن المقفع و حيرة أبي العلاء المعري واجتهاد ابن رشد و إبحار الجاحظ في العلوم الطبيعية و قانون الطب الذي وضعه للإنسانية الرئيس ابن سينا وترجمات بيت الحكمة و المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي و التحليل العميق للمجتمعات الإنسانية الذي قام به العلامة ابن خلدون؟ بل أين نحن من اكتشافات ابن النفيس و طبائع الاستبداد للكواكبي و أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك للوزير خير الدين التونسي وتخليص الإبريز لرفاعة الطهطاوي و قواعد الوحدة الإسلامية لجمال الدين الأفغاني ؟ لا شك في أن العقل العربي تخلف و ارتد عن هؤلاء العمالقة الرواد، و لا مجال البتة لمقارنة مجد العقل العربي الزاهر بحالته الراهنة الكاسدة التي طالت إلى يوم أصبحنا نجني فيه الثمرات المرة المسمومة للصراعات الطائفية و القبلية و العشائرية و الدينية! فالمقارنة كادت أن تؤدي بنا إلى الإحباط و اليأس و القنوط . و طالما كنا نتطارح و نتناقش حول الأسباب المختلفة التي أطاحـت بقـلاع العقل العربي و دمرت حصونه و طالما تواصينا بأفضـل الحـلول و أنجـع العلاجـات للخروج من عصر الظلمات الذي أناخ بكلكله على العالــم العربــي منـذ أن استقلت شعوبنا و أقامت دولا و أعلنت جمهوريات وحتى جماهيريات ورفعت عقيرتها بالشعارات وتخيلت الثورات و تعاقبت فيها الانقلابات و تمت القطيعة الكاملة بين أصحاب الأمر وأصحاب الفكر. حينها و بالتدريج تم تدجين العقل المفكر و تحرير العاطفة الهوجاء. تم إلغاء الاجتهاد و تنصيب الاستبداد و خاصة بحجج لا صوت يعلو على صوت المعركة...كما كان في العهد الناصري و البعثي أو بحجج لا صوت يعلو على صوت الوحدة القومية كما كان يقول الحبيب بورقيبة ! و في الغالب ذبح العقل قربانا للأوهام و أصيب العالم العربي بما يمكن أن نسميه التصحر الحضاري الذي أتى على أخضر الفكر و يابسه و تعطل جهاز الحكمة، لتنبت أشجار ضياع الثقة في النفوس و انهيار المناعة الثقافية و انتشار وباء التقليد للآخرين في الملبس و المأكل و السلوك و اللغة و الفن و حتى الدين ! كأننا أعجاز النخل الخاوية التي ذكرها رب العالمين في القرآن . و الغريب أن هزيمة العقل العربي تواصلت حثيثة في عالم استيقظ منذ عقود على نداء العولمة و وحدة المصير و نكاد نحن العرب نطرد أنفسنا طردا من دائرة التاريخ . قال الله تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56].وقال: "إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" [يوسف: 87].صدق الله العظيم فإننا إذ نكاد نيأس نتذكر قول الله تعالى هذا فنعود إلى الأمل في الشباب العربي الواعي و في بعض القيادات العربية الرائدة و نتفاءل و نعمل و نحاول الإسهام في تغيير ما بالنفس حتى يغير الله ما بنا.