12 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة العميقة تحكم مصر

10 يونيو 2014

الثورة المصرية هزمت بالنقاط في الجولة الأولى من المعركة مع الثورة المضادة التي يقودها أركان الدولة العميقة، وهذه حقيقة لا بد من الإقرار بها، وهو ما عبرت عنه الصحف الانقلابية عناوينها العريضة التي قالت "الدولة عادت سيرتها الأولى"، وهي تعني دول مبارك الذي أطاحت به ثورة 25 يناير. وقد توج انتصار الدولة العميقة بتتويج قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، رئيسا على مصر، في انتخابات قاطعها 92 في المائة من المصريين.في حساب الزمن فإن الرئيس الشرعي المنتخب الذي أنتجته الثورة وهو الدكتور محمد مرسي حكم عاما واحدا، تعرض خلالها لحرب استنزاف شرسة ومتعددة الجبهات، من الفلول والكنيسة القبطية ورجال الأعمال والإعلام والقضاء والعسكر من جيش وشرطة وامن ودول التمويل الخليجية، وقد توجت هذه الحرب الشرسة بانقلاب 3 يوليو بقيادة السيسي وجنرالاته الذين استولوا على الحكم، واطاحوا باول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث.وفي حساب الزمن أيضاً فإن عاما كاملا مر على انقلاب يوليو المشؤوم الذي ادخل مصر في "عصر النحس" اريق خلاله دماء أكثر من 5000 مصري وتعرض 19000 آخرين للإصابة بجروح واعتقل أكثر من 42 الف شخص، وهو وضع لم تعرف له مصر مثيلا منذ منذ نصف قرن، ليس هذا فحسب بل تم تكميم الإعلام، وتحويل الإعلاميين إلى مجرد ابواق للانقلاب واعتقال الإعلاميين والصحفيين المستقلين مثل الزميل عبد الله الشامي الذي يعتقل من دون اتهام أو محاكمة منذ 10 أشهر، والذي يدخل إضرابه عن الطعام يومه 141 دون أي بادرة أمل للإفراج عنه، أو حتى منحه الحد الأدنى من الرعاية الطبية. إضافة إلى مصادرة المساجد والخطب وإقصاء "أهل الله" وتقريب "أهل الانقلاب" في بيوت الله، وهو حصاد لم يسبق السيسي أحد إليه في مصر.في عصر الانقلابي السيسي تحولت مصر إلى دولة مفلسة، وأعلنت السلطات الانقلابية استدانة 65.2 مليار جنيه من البنوك من أجل دفع الرواتب، وتمويل الحكومة ومؤسساتها، وهو مبلغ ضخم، وخسرت البورصة مليارات الدولارات خلال "العام الانقلابي" مما يضع الاقتصاد المصري كله على شفير الهاوية، وباتت مصر تبحث عن دول مانحة لإنقاذها من ورطتها المالية، مما يعني ازدياد معدلات البطالة والفقر في بلاد يطحنها الفقر أصلا ويعيش 40 في المائة من سكانها تحت خط الفقر المدقع حسب الإحصاءات الحكومية الرسمية.في "عام الانقلاب" انتشر الخوف، وبطشت القبضة الأمنية وازداد عنف البلطجية الذين يعيثون فسادا في الأرض، وعادت الدولة البوليسية من جديد لتضرب بكل قوة.. ويكفي الإشارة إلى أن "تتويج السيسي صاحبا لمصر" استدعى استنفار 25 ألف عسكري، ونشر قوات قتالية في قلب القاهرة، وتحويل محيط المحكمة الدستورية وقصري الاتحادية والقبة إلى قلاع أمنية محروسة بالأسلاك الشائكة والكلاب البوليسية والدبابات والمصفحات والمدرعات والمروحيات العسكرية والقناصة، وكان مصر في حالة حرب، وليس في حالة احتفال بتتويج "الرئيس"، وهذا يعبر عن الحال الذي وصلت إليه مصر."الرئيس المتوج بأصوات 8 % من المصريين" هدد "أن لا مصالحة" مع من تلطخت ايديهم بالدماء، وأن أولوياته هو "دحر الإرهاب" واستئصال الإخوان المسلمين ومن يرفض حكمه، وتعهد بإعادة بناء الجهاز الأمني وأعادته إلى سابق عهده، دون أن يقدم أي تعهد أو برنامج لانتشال المصريين من الفقر والبطالة والبؤس.الآن يحمل السيسي كومة الجمر في يده، فهو "رئيس بلا شرعية" يعتقل رئيس مصر الشرعي في السجن، ويرث شعبا مقسما ومنهكا، وخزائن خاوية، يرفض العالم التعامل معه على أنه رئيس "كامل الأوصاف".