18 سبتمبر 2025
تسجيلأعطني فلوس واسكت أدخل رجل طاعن في السن بطاقة الصرف الآلي في الجهاز، وحدد المبلغ الذي يريد، وخرج المبلغ من الفتحة المخصصة لتلك الغاية من الجهاز، وأمضى شيخنا وقتا طويلا في سحب البطاقة ثم فتح محفظته لإعادتها في الموضع المخصص لها، فما كان من الجهاز إلا أن شفط النقود وابتلعها كما يقضي تصميمه وبرمجته بذلك، فما كان منه إلا أن تمدد أمام الجهاز في انتظار خروج نقوده مجددا، وشالته نومة، وكلما حاول شخص ما استخدام الجهاز صرفهم عنه، وظل على هذا الحال إلى أن بلغ الأمر سلطات البنك، فبعثت مندوبا توصل مع الرجل إلى تسوية مقنعة، تمثلت في منحه المبلغ المنشود، وطمأنه بأن المبلغ الذي تعرض للشفط لن يُخصم من حسابه المصرفي. وعشت سنوات طويلة وأنا سيئ الظن بالبنوك، خوفا من أن تعلن إفلاسها كي تستولي على نقودي، وامتلكت أول بطاقة صراف آلي خلال إقامتي في لندن، ولكنني لم أستخدمها قط، وكان موظفو البنك الذي كان قريبا من بيتي، قد ألِفوا وجهي فسألوني لماذا أزور البنك نحو مرات في الأسبوع لسحب مبالغ هزيلة، فشرحت لهم إنني لا أحب التعامل مع الآلات الصماء، وبي شك بأن جهاز الصراف الآلي قد يعطيني خمسين جنيها ويسجل في حسابي أنني سحبت خمسمائة. أعداء التكنولوجيا مثلي ومثل ذلك العجوز على موعد مع تعقيدات جديدة في أجهزة الصرف الآلي، فقط طرحت شركة "آي سي إن" أجهزة ناطقة تتعرف عليك بمجرد إدخال رقمك السري، بل، وإذا كنت مثلي تسحب مبلغاً "ثابتا" على نحو دائم، فإن الجهاز لا يطلب منك تحديد المبلغ المراد سحبه، بل يقدمه لك فور التحقق من صحة رقمك.. ويعمل الجهاز كالتالي: مثلا - أدخلت رقمي السري فيقول: "هلا يا أبو الجعافر شلونك وشلون أم الجعافر؟ عساها صابرة عليك؟ ولعلها ما عكننت مزاجك بلوازم رمضان؟ بالمناسبة "عيد ميلاد" ولدك بعد أسبوع، لا تفشله قدام الربع وجهز له هدية عليها القيمة! في كلام في واتساب إنك ممكن تصير وزير الاقتصاد والمالية في السودان، بس ترا واتساب هذا هو مسيلمة عصر التكنولوجيا، واللي يقولون هذا الكلام يمكن لا يدرون انك ما تعرف في جدول الضرب إلا جدول عشرة!! وهكذا فإن الجهاز يكلمك في شؤونك الخاصة ويعطيك أخبار مباريات الكرة وأحوال الطقس المتوقعة.. وتقول الشركة المنتجة للجهاز الحشري الثرثار إنه يوفر عليك ثلث الوقت اللازم لسحب النقود!! جهاز يسولف معي ويتكلم في الفاضي والمليان، كيف يوفر عليَّ الوقت؟ هذا الجهاز سيتسبب في الطلاق بيني وبين البنوك، لأنني أخاف من الأجهزة التي تتكلم، ولن أنسى ما حييت فضيحتي في لندن في السبعينيات، عندما وصلت المدينة ولم أجد أحداً في استقبالي واستخدمت هاتفاً عمومياً لإجراء اتصال بالمعهد الذي كان مقرراً أن ألتحق به، وأدرت الأرقام الهاتفية الصحيحة التي كنت أحملها معي من السودان، (لم يكن هناك اتصال دولي مباشر في أي دولة عربية، حيث كان الاتصال يتم عبر البدالات، تتصل بموظف معين وتخبره أنك تريد مكالمة الجهة الفلانية وتضع السماعة ليتصل ذلك الموظف بك لاحقاً أو لا يتصل). وبالطبع فقد أجريت المكالمة من داخل لندن مستخدماً الرمز الدولي لبريطانيا ورمز لندن، ورن التليفون على الجهة الأخرى وجاءني صوت نسائي فشرحت لها أنني طالب جديد و...، ولكنها تجاهلتني وواصلت الحديث،.. قلت لها مجدداً: الله يخليكي أنا طالب جديد ومزنوق لا أعرف شرق من غرب، ولكنها قالت كلاماً ما معناه إنني "غلطان". باختصار فقدت أعصابي، وشتمتها "بالإنجليزي" ولكنها وبكل برود واصلت الحديث عن أنني غلطان لسبب بديهي. كان الصوت تسجيلاً ينبهني إلى عدم استخدام الرمز الدولي والمحلي عند الاتصال من داخل لندن.. وإلى يومنا هذا فإنني أقاطع الأصدقاء الذين لديهم هواتف وقحة من النوع الذي يقول لك: أنا غير موجود.. يرجى ترك رسالة!! عنَّك ما جيت يا بايخ