16 سبتمبر 2025
تسجيلتأتي زيارة الرئيس مرسي إلى البرازيل في إطار رؤية تقوم على تنويع مصر لعلاقتها الخارجية وعدم اقتصارها على اتجاه واحد كما كان الحال أيام النظام السابق، حينما كانت أوروبا والولايات المتحدة هم الوجهة الوحيدة للتعاون السياسي والاقتصادي، الأمر الذي حول مصر إلى مجرد تابع لهم. حيث يريد الرئيس مرسي تغيير هذا التوجه من خلال توثيق العلاقات مع عدد من الدول ذات التجارب السياسية والاقتصادية الناجحة مثل البرازيل والهند والصين، خاصة أن مصر كانت تملك علاقات متميزة مع هذه البلدان في الماضي، إلا أن النظام السابق أضعف تلك العلاقات وجمدها لصالح ارتباطه بالغرب. معروف أن العلاقات المصرية البرازيلية بدأت في القرن التاسع عشر، حيث استقبلت مصر الحاكم البرازيلي الإمبراطور، توم بدو الثامن، عام 1876. وخلال القرن العشرين تقاربت الدولتان خلال الخمسينيات والستينيات في إطار بعض التحركات السياسية مثل حركة عدم الانحياز، والاقتصادية مثل مجموعة الـ 77، كما عاد التقارب خلال العقد الماضي من خلال انعقاد القمم العربية ـ اللاتينية. ويسعى الرئيس مرسي إلى إعادة توثيق هذه العلاقات مرة أخرى من أجل تحقيق أمرين: الأول هو تنويع العلاقات الخارجية مع مصر. والثاني هو الاستفادة من تجربة البرازيل في النهوض السياسي والاقتصادي. حيث كانت البرازيل إحدى دول العالم الثالث واقتربت من إعلان إفلاسها في عام 2002 إلا أن وصول الرئيس لولا دا سيلفا إلى الحكم وبدء عملية نهوض اقتصادي وسياسي أديا إلى تحول البرازيل إلى دولة من دول العالم المتقدم وأصبح اقتصادها يحتل المرتبة التاسعة على مستوى العالم، متقدمة بذلك على بريطانيا التي يحتل اقتصادها المرتبة العاشرة. وتستطيع مصر الاستفادة من هذه التجربة التي بدلت حياة ملايين من البرازيليين الذين عاشوا لسنوات في فقر مدقع لينتقلوا تدريجيًا إلى قدر ما من الرفاهية والرخاء، وذلك في إطار فلسفة وفكر قام على محاولة الموازنة بين بنية الاقتصاد الرأسمالي والسياسات النيوليبرالية التي هيمنت على الدولة البرازيلية خلال العقود الأخيرة وبين التوجهات التي نادت بتدخل الدولة لمساعدة الفئات الاجتماعية المهمشة من خلال تهذيب تلك السياسات النيوليبرالية لخدمة القطاعات الفقيرة والتوازن بين مصالح الأغنياء والفقراء. وقد تحقق ذلك من خلال تخطيط وتنفيذ مجموعة من البرامج والمشروعات لتحقيق العدالة الاجتماعية أدت إلى رفع مستويات المعيشة وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبنية الأساسية وغيرها، علاوة على الاهتمام بالأطفال صحيًا واجتماعيًا، ومن ذلك برامج خاصة بحل مشكلة العشوائيات فيما أطلق عليه مشروع "بيتي هو حياتي" الذي جاء ضمن برنامج أكبر وأشمل حمل مسمى "برازيل بلا بؤس" لمواجهة مخاطر ظاهرة العشوائيات، حيث قامت الدولة بتوفير أراض وموارد لبناء مساكن منخفضة التكلفة وزعت، ولا تزال، على الأسر البرازيلية الفقيرة وفقًا لشروط معينة. كما يساعد توثيق العلاقات بين البلدين على فتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية حيث تعد البرازيل بوابة مصر لقارة أمريكا الجنوبية، نظرًا لأنها أكبر قوة اقتصادية في المنطقة، كما أنها عضو أساسي مع كل من الأرجنتين والأورجواي والبارجواي في تجمع "الميركسور" الاقتصادي الذي وقعت معه مصر في عام 2010 اتفاقية للتجارة الحرة، وتتطلع مصر إلى تصديق بقية الدول الأعضاء عليه؛ مما سيتيح رفع القيود الجمركية ووجود قوائم تفضيلية للسلع وتحقيق أقصى استفادة تجارية ممكنة. ويقدر حجم التجارة بين مصر والبرازيل بـ 2.97 مليار دولار منها 250 مليون دولار هي معدل المتوسط السنوي لحجم الصادرات المصرية إلى البرازيل، في حين تبلغ الواردات المصرية حوالي 2.6 مليار دولار. من المؤكد أن زيارة الرئيس مرسي إلى البرازيل سوف يكون مردودها كبيرا بالنظر إلى إمكانية الاستفادة من الإنجازات التي حققتها التجربة البرازيلية في كافة المجالات والتي كانت تعاني بشكل مشابه لما تعانيه مصر، فضلا عن المكانة الدولية التي ستصل إليها مصر في حالة انضمامها إلى منظمة البريكس التي تضم البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، التي زارها مرسي من قبل ليكتمل عقد التحالف الذي يسعى إليه لاستعادة دور مصر الإقليمي والدولي كمرحلة أولى تليها مرحلة أخرى أكثر تقدما نحو القيادة العالمية.