12 سبتمبر 2025

تسجيل

طريق النهضة

10 مايو 2012

كان من أهم وسائل الاحتلال الأجنبي لبلاد العالم العربي والإسلامي هو أن زرع حكّاماً خونة وعملاء له يسيّرهم كيف ومتى شاء، ذلك لأنه كان يريد البقاء أطول فترة ممكنة في بلاد العالم العربي والإسلامي لنهب المزيد والمزيد من خيراتها ومواردها الطبيعية، فضلاً على استغلال مواردها البشرية كذلك باستخدامهم "عبيداً" لهم وعندهم في أوروبا أو الغرب عموماً، ولكنهم لم يهتموا للموارد البشرية عند احتلالهم لبلاد العرب والمسلمين إلا فيما ندر، بخلاف ما كانوا يفعلون ذلك عند أخذهم للعبيد من إفريقيا وآسيا كالهند وغيرها من الدول، حيث كان الاحتلال الأجنبي في الدول العربية والإسلامية يركّز على نهب الموارد الطبيعية وتحويلها إلى أوطانهم الأصلية بينما كان يستخدم الموارد البشرية في البلاد نفسها ويوّظفهم عنده لهذا الغرض، ولكنه لم يكن يهتم بأخذهم في شكل "قطعان من العبيد" وشحنهم إلى أوروبا للخدمة وللأعمال الشاقة، ولا أدري إن كان "للكرامة العربية" وقتها دور في منع حدوث ذلك أم لا، إذ ربما منعت العزّة والكرامة الرجل العربي من أن يُساق سوقاً كالقطيع للعمل في أوروبا في تلك المهن المبتذلة، في حين أن بعضهم رضي بالشيء نفسه واشتغل في أعمال شاقّة ومبتذلة عند الأجانب ولكن دون مغادرة أوطانهم..الأمر الذي يعدّ في كلا الحالتين سيطرة للاحتلال الأجنبي وانتصار له. أعود لأقول إن الاحتلال – ولا أسميه استعمارا إذ أن الاستعمار هو إعمار الأرض وإصلاحها والاحتلال هو إفساد الأرض وتخريبها – سعى بعد خروجه إلى حلول الفساد والظلم عبر زرعه للحكّام "الخونة" الذين كانوا يأتمرون بأمره وينفّذون خططه ومؤامراته لتدمير الأمة ومحاربة الإسلام الذي كانوا يرونه الخطر القادم إليهم بقوة الحق لا بقوة السيف ليأخذ منهم الريادة ويقود ركب الحضارة في الأمم ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، فقام هؤلاء الحكّام باستغلال موارد البلاد العربية والإسلامية البشرية منها والطبيعية من أجل مصالحهم الشخصية ومصالح ذرياتهم وأقربائهم فأصبحت الدول بمثابة اقطاعيات يمارس فيها بعض الحكّام سلطتهم وسطوتهم وبطشهم وظلمهم على الناس فيأكلوا أموال الناس بالإثم والعدوان ويشيعوا الفساد الاقتصادي والأخلاقي حتى شهدت بعض الدول الإسلامية أبشع وأسوأ صور الفساد في العالم بأسره متفوقين بذلك حتى على دول الكفر والشرك مما يتنافى مع غاية الإسلام ومع شريعة الله تعالى في الأرض، فقاموا بتعطيل الحدود واقتصارها على الفقراء والمساكين حتى كره الناس القضاء ويئسوا من عودة مظالمهم فشاعت السرقات وكثرت الاختلاسات من المال العام والخاص، فأصبح الأمين عملة نادرة وأصبحت الأمانة صفة شبه معدومة. ومما لاشك فيه أن أعداء الأمة في الخارج والداخل فرحون بهذه الخسائر التي تلحق بموارد البلاد الإسلامية وانشغال أفراد الأمة بالبحث عن لقمة العيش والسعي وراء مطالبهم وردّ مظالمهم وحقوقهم عبر التردد على دواوين الحكّام ومجالس الوزراء لكي يستجدوهم ويتذلّلوا لهم للحصول على بعض المكاسب وبعض الأموال مما نشأ عن ذلك بطانات فاسدة أبشع وأظلم من الحكّام أنفسهم فزادت المظالم وانتشر الفساد أكثر فأكثر، وأصبح الاحتلال الأجنبي يقود هؤلاء الحكّام والعملاء بواسطة "ريموت كونترول" وهو في مكانه بعيداً يراقب ضياع الأمة العربية والإسلامية وانشغالها بمشاكلها ومصائبها المتعددة حتى إذا أحسّ بأن وتيرة الظلم والفساد قد انخفضت أوعز إلى عملاء آخرين ليحلّوا مكان السابقين فيفسقوا ويظلموا أكثر من سابقيهم ويشغلوا الناس أكثر فأكثر في البحث عن لقمة العيش "وسط القمامة" أو البحث عن وظيفة وسط "كومة قشّ" من الجاليات الأجنبية التي انتشرت لتضيف مزيداً من الخسائر إلى ميزانية الدول بينما تصب في الوقت ذاته كمصادر دخل أخرى للدول المحتلّة عبر إرسال "المتردّية والنطيحة" ممن "أكل عليهم الدهر وشرب" من تلك "الخبرات المنتهية صلاحيتها" فتصبح الدول الأجنبية محتلّة لبعض الدول العربية والإسلامية بطريقة مباشرة عبر "تحريك" حكّام تلك البلاد أو عبر "استغلال" مواردها وميزانياتها من خلال اتفاقيات شراء أسلحة أو تكنولوجيا غربية قديمة أو بضائع أخرى متنوعة بدءاً من حبة القمح إلى الطائرات والسفن. لقد وصل حال الدول العربية والإسلامية في ظل ذلك الوضع إلى حالة من التخدير التي أصبحت معها غير مكترثة بما يحلّ بها من نكبات ومآس تحل بالمسلمين هنا وهناك حتى أصبحوا كالخراف يذبحون واحداً تلو الآخر فلا يجرؤ أحدهم على الهرب من مكان "المقصب" أو على أقل تقدير "نطح" ذلك "القصّاب" دفاعاً عن النفس قبل الموت، ولهذا كنّا نسمع في وقت من الأوقات بأن الحكّام قد أغلقوا الحدود وحالوا بين الجماهير وبين فلسطين مما جعلها رهينة الاحتلال الصهيوني إلى يومنا الحالي، ورضيت الشعوب بتلك الأوضاع فلم يقهروا حكّامهم مثلاً لفتح الحدود والسير باتجاه الأقصى لتحريره، مما جعل الذلّ والمهانة يسيطران على الشعوب في شتى شؤون الحياة، الأمر المؤسف حقاً أن تتخاذل الشعوب عن نصرة قضاياها الكبرى وفي مقدمتها الأقصى وأن تتعامل مع مآسيها ومجازرها – كما يحدث الآن في سوريا – ببرود تام لا يرتقي مع مستوى النصرة التي أوجبها الإسلام، وأخشى ما أخشاه أن يصل بنا الحال إلى أن تُفتح كل الطرق إلى الأقصى وأن تُرفع كل القيود التي تقف في طريق تحريره أو في طريق تحرير سوريا وغيرها من بلاد المسلمين ولكن وقتها ستكون الشعوب غير راغبة في الجهاد ولا في النصر والعزة والتمكين، لأننا وصلنا إلى درجة من الذلّ والمهانة لا يؤثر فيها وجود العوائق أو عدمه، حينها فقط.. سيكون باطن الأرض خير لنا من ظهرها، نرجو الله تعالى أن تعود الأمة إلى أمجادها وأن تنتفض من جديد وأن تبدأ في المسير في "طريق النهضة" حتى وإن بدا الطريق صعباً وشاقاً منذ البداية.