20 سبتمبر 2025
تسجيلنتحدث كثيرا عن الإصلاح، وكأنه وصفة سحرية قادرة على قلب الأمور رأسا على عقب، ليصبح كل شيء كما نتمناه، أو كما نتخيله، لكن تحقيق الإصلاح لا يتم بهذه الصورة، انه يستوجب توفر ظروف محددة تفضي إلى الإصلاح وفق وتيرة تفرضها الظروف المتاحة من ناحية، والعوامل المساعدة من ناحية أخرى، والإيمان بأهمية الإصلاح من كل النواحي، وهذا الإيمان لا بد أن يتوفر لدى القيادة، بقدر توفره لدى المواطنين، لتبادر أو لتستجيب هذه القيادة للإصلاح باعتباره أداة البناء لكل تطور مطلوب، ووسيلة الوصول لكل ازدهار منشود، وعندما تلتقي طموحات القيادة ورغبات المواطنين، تكتمل صور الإصلاح ليصبح أكثر فاعلية، وأسرع إيقاعا لتعويض ما فات من فرص التطور المهدرة، ولإدراك ما يمكن إدراكه من منجزات العصر.والباحثون عن الإصلاح لا يؤمنون بالمهدئات والعلاجات المؤقتة، التي تستجيب لظروف آنية، بل يسعون بخطوات واسعة لتأصيل قيم الحرية والكرامة وتكافؤ الفرص، وتوفير أسباب المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية ذات العلاقة بالمجتمع والوطن، من خلال منظمات المجتمع المدني، التي يأتي قيامها على رأس قائمة المطالب المؤدية إلى الإصلاح، وهي وإن تحققت نتيجة لإجراءات إصلاحية، لكنها بعد ذلك تشكل عامل ضغط لتحقيق المزيد من الإصلاح، في جميع المجالات التنمية.ولا بد من التسليم بأن فساد الذمم، هو التحدي الأكبر، لذلك تاتي محاربة الفساد من الأهداف الرئيسة للإصلاح، ومحاربة الفساد لا يتحقق بالنوايا الحسنة، بل بحزمة من الإصلاحات الشاملة، ومنها القوانين التي تجرم الفساد والمفسدين، ولن نكون مبالغين إذا قلنا ان طريق الإصلاح ينطلق من إصلاح الذمم ومحاربة الفساد، ليصبح هذا السلوك واقعا معاشا، تتربى عليه الأجيال، وثقافة عامة تسير في طريقها هذه الأجيال، وتتمثل بها في سلوكياتها العامة، وممارساتها الخاصة، وإذا كانت التربية والتعليم هما من يغرس هذه القيم في نفوس الناشئين، فإن ما يضمن استمرارها هو وجود القوانين والأنظمة الصارمة التي تساعد على الحد من تفشي الفساد وانتشاره في المجتمع، لا فرق في ذلك بين الفساد الأخلاقي والفساد الإداري والفساد المالي والفساد الاقتصادي، أي الفساد بكل أوجهه القبيحة، وأذرعه التي تمتد لتقتحم وتشوه خصوصيات المجتمع، وتعبث بقيمه ومقدراته، وعندما يضع الإصلاح عينه على الفساد ليحاربه ويحد من تمدده الاخطبوطي، فإنه بذلك يضع نفسه على الطريق المؤدي لتحقيق المزيد من المنجزات الحضارية للوطن، ويمهد السبل لمزيد من الإصلاحات التي يسعى إليها المسئولون والمواطنون جنبا إلى جنب، حين تكون مصلحة الوطن العليا فوق كل مصلحة ذاتية، ويكون علاج أمراضه المستعصية هدفا استراتيجيا، وليس هدفا مؤقتا تفرضه ظروف طارئة، أو تمليه قوى خارجية، على أن تكون وتيرة هذا الإصلاح سريعة الإيقاع، لأن الإصلاح لا يتحقق بالنفس الطويل الذي يؤدي إلى تفاقم المشاكل، وازدياد حجمها نتيجة سرعة وتيرة الأحداث الإقليمية والعالمية، فما من دولة في هذا العصر تعيش بمعزل عن العالم، بل هي جزء من عالم سريع التطور، وسريع الاستجابة لهذا التطور، وفق ثقافة شمولية لا تمس الثوابت، ولا تلغي الهوية، لكنها تدعو للاسهام الفعلي في حضارة العصر.. ومن هنا تأتي أهمية الإسراع في الإصلاح، لأن دول العالم تتقدم بسرعة، لا مفر من مجاراتها حتى لا تكون سياسة النفس الطويل سببا في التأخر عن ركب حضارة العصر.ومهما قيل عن الإصلاح، فإن هذا القول يظل قاصرا عن استيعاب سقفه الذي يرتفع باستمرار نتيجة ارتفاع الحاجة لقيم إنسانية غير قابلة للجدل لأنها تتعلق بحرية الإنسان وكرامته، وأمنه الاجتماعي، ومشاركته في البناء التنموي، وحرصه على انتمائه الوطني[email protected]