15 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); وكأننا نستمع إلى تصريح لرئيس دولة سويسرا المحايدة وليس لرئيس دولة إيران المتورطة عندما قدم الرئيس حسن روحاني "وصفة" حل الأزمة اليمنية، ففي مؤتمر صحفي عقده الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني قبل ثلاثة أيام، قال الأخير إن حل الأزمة اليمنية يستلزم وقف إطلاق النار ووقف التدخل الخارجي وعودة أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات حتى يتسنى لهم التوصل إلى توافقات يمنية حيال الملفات الشائكة التي كانت سببا في اندلاع الأزمة. والحق أن ما تفضل به الرئيس روحاني كان سيكون وصفة مثالية للحل لو أن بلاده التزمت بهذا المبدأ من الأساس، ولا نذيع سرا عندما نجزم بأنه لولا التدخلات الإيرانية السلبية في كل ملفات الإقليم لكان بالإمكان التوصل إلى مخارج لكل الأزمات التي اندلعت في سوريا والعراق ولبنان واليمن.فالمفارقة إذن تتجلى بأبشع صورها وإيران "تدعم" حلا سلميا ونحن بالكاد نستطيع رصد تنقلات قاسم سليماني من سوريا إلى العراق إلى اليمن بهدف مساندة حلفاء إيران، وإذا كانت محاولات إيران في اليمن ليست تدخلا خارجيا يؤجج بدلا من أن يحلحل الصراع فما هو التدخل الخارجي الذي تحدث عنه السيد روحاني؟! فالجانب الإيراني مدعوما بحلفائه في الإقليم لم يتوقف عن ممارسة التضليل، فقبل أيام استمعنا إلى رجل إيران في لبنان حسن نصرالله وهو يقول إن العرب معادون لإيران بسبب موقف الأخيرة من إسرائيل. لا أعرف إن وصلت السذاجة للحد الذي يطلق فيه سياسي من وزن حسن نصرالله تصريحات لا تقنع حتى أنصاره!الحال أن السياسة الإيرانية في تخبط واضح بعد أن تلقت صفعات متتالية في سوريا، وأخيرا في اليمن، فلم يخطر على بال الإيرانيين وهم يساندون الحوثيين في انقلابهم على الشرعية اليمنية أن تتصدى دول الخليج للعبث الإيراني بعاصفة حزم بتنا نسمع بأزيزها في طهران، فإيران أخذت على حين غرة وتفاجأت بالرد الخليجي المدعوم عربيا، وهو رد نزل كالصاعقة على رؤوس قادة إيران ورجالاتهم في المنطقة. وكأن انتكاسات قوات الأسد والقوى المتحالفة معه في سوريا لا تكفي، فما بدا وكأنه انتصار حوثي في اليمن تحول إلى ما يشي بهزيمة إيرانية في اليمن. على الأرجح أنه لولا صلابة الموقف الخليجي التي رفعت من كلفة العبث الإيراني لما سمعنا بتصريحات حسن روحاني، وهذا يؤكد ما كنا دائما نقوله بأن الجانب الإيراني لا يفهم إلا لغة القوة، فعندما أدرك قادة إيران أن ثمنا باهظا ينتظرهم في اليمن أظهروا عقلانية ومرونة في التعامل مع الملف اليمني وأبدوا استعدادا لتسهيل الحل السياسي المنشود بعد أن كان هدفهم تغيير موازين القوى في اليمن توطئة للتأثير على حسابات الخليج الأمنية. اللافت أن طهران تمارس براغماتية واضحة ومستعدة لتغيير موقفها فقط عندما تتوفر إرادة مضادة وعندما يكون لموقفها السلبي ثمن باهظ، وعاصفة الحزم كشفت عن ضعف إيران العسكري وأنها أي إيران غير قادرة على التأثير في مسرح العلميات في مناطق تبتعد عن جوارها المباشر، وربما هذا درس على القوى المناهضة لنظام الأسد أن تتعلمه وتغير إستراتيجياتها وتكتيكاتها وفقا لهذا الفهم.وعود على بدء، نقول إن تصريحات رئيس جمهورية إيران كان سيكون لها صدى طيب لولا التضليل الإستراتيجي الذي مارسته وما زالت طهران، فإيران ليست طرفا محايدا في الأزمات الدائرة في المنطقة لأن سياستها قائمة على استغلال كل نزاع لقلب موازين القوى لصالحها والمتحالين معها، وكان بالإمكان إنهاء الأزمة السورية بدماء أقل بألف مرة لولا أن دخلت إيران على الخط بشكل مباشر وعن طريق وكيلها حزب الله ما عقّد الوضع وسبب في دفع الشعب السوري كلف باهظة في الأرواح والممتلكات ما كان ينبغي أن يدفعها.الراهن أن الموقف "العقلاني" الإيراني ما هو إلا نتيجة ضعفها في اليمن، فطهران كانت تعتقد أن بإمكان وكلائها في اليمن تغيير الوضع دون أن يستدعي ذلك تدخل الدول العربية التي لم تعد تطيق ذرعا بالعبث الإيراني بأمن المنطقة، وهذا يدفعنا للتفكير مليّا بالخطوات القادمة، فمثلا هل من الممكن قبول دعوة إيران لوقف إطلاق النار والحوار أم أن المطلوب أولا أن يتراجع الحوثيون عن انقلابهم؟ ثم هل الدعوة الإيرانية هي صادقة أم أنها في سياق التضليل وكسب الوقت؟ والأهم ربما هو أن على القوى العربية وتركيا أن تفكر في درس اليمن وتطبقه في سوريا، فبعد الأداء العسكري الضعيف للإيرانيين في تكريت وعجز إيران عن مساعدة الحوثيين أمام عاصفة الحزم يحق لنا أن نشكك في فعالية القوة الإيرانية، وبتقديري فإن إيران هي نمر من ورق وأن أي امتحان حقيقي لقدرات إيران سيثبت ذلك.في المحصلة، أثبت الموقف الخليجي الصلب في اليمن أن أفضل وسيلة لتحقيق السلام هو امتلاك القوة والاستعداد لاستعمالها إن لزم الأمر، فالحزم العربي هو المتطلب السابق لأي اعتدال إيراني. وبالتالي يمكن القول إن وصفة إيران لحل الأزمة الإيرانية والمتمثلة بضرورة وقف إطلاق النار هي وصفة خادعة لأنها تهدف لشراء الوقت وتجنب أزلامها هزيمة تبدو محتمة، وأعتقد أن على الجانب العربي أن لا يقبل بذلك إلى أن يعلن الحوثيون عن تراجعهم عن الانقلاب واستعدادهم غير المشروط للعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى تفاهمات يمنية توافقية دون تأثير من إيران.