13 سبتمبر 2025
تسجيللما خلق الله تعالى الإنس والجن فوق هذه الأرض، كانت الغاية من ذلك الخلق المعجز من الله الخالق العظيم البديع المصوّر في أحسن صورة وتقويم هو (إلا ليعبدون)، لتقود الناس وترشدهم إلى غاية وجودهم في هذا الكون الفسيح وفوق هذه الأرض، وأن يصرفوا حياتهم كلّها وفق تلك القاعدة أو المنهج أو الصراط المستقيم الذي يريدهم الله تعالى أن يسيروا باتجاهه وفوقه حتى يجتازوا هذه الحياة الدنيا وينجحوا في الاختبار العظيم الذي سينتهي ويؤول إما إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وإما إلى نار وقودها الناس والحجارة.. أعدت للكافرين.ولمّا خلق الله تعالى الناس جعلهم شعوباً وقبائل وأعراقاً وألواناً وأشكالاً ولغات ولهجات.. كانت الغاية من ذلك التباين والاختلاف المعجز أيضاً من الله العليم الحكيم هو (لتعارفوا) حتى يصبح الإنسان عاجزاً عن العيش بمفرده ومجبراً لكي يختلط بغيره ويؤثر ويتأثر ويتكلم ويتحاور ويبيع ويشتري ويتزوج ويتكاثر.. بل ويأكل ويشرب ويلبس ويعيش معتمداً على غيره لا معتمداً على جهده الذي لا يكفي مطلقاً لأن يفعل كل الأفعال في آن واحد، ولهذا اقتضت حكمة الله تعالى أن تتوزع الثروات والخيرات فوق هذه الأرض حتى لا يعتمد إنسان على نفسه مهما كان، ولا يعتمد مجتمع على نفسه مهما وصل من الحضارة والتقدّم، ولهذا قسّم الله الثروات والخيرات في الأرض، فالبلد الذي يعيش على الزراعة، حيث تكثر الفواكه والحبوب، لا يستغني عن البلد الذي يعيش على الصناعة حيث تكثر المواد والمعادن الطبيعية، والبلد الذي يعيش على الصيد حيث تكثر الثروة السمكية لا يستغني عن البلد الذي يعيش على التجارة حيث تكثر الأسواق والأموال وهكذا دواليك.. ليبقى الإنسان عاجزاً في كل أحواله طوال العصور وعلى مر الدهور عن القيام بدوره في الحياة دون الاحتكاك والاختلاط بغيره ممن يشابهونه أو يختلفون معه في الدين واللغة واللون والعادات والأعراف.. ليصبح التعارف هو الأمر الضروري الذي يشكّل في النهاية الثقافة التي يتعامل فيها الإنسان مع غيره.. لا أن يتحوّل ذلك التعارف إلى صراع من أجل البقاء قد ينتهي به المطاف إلى الاقتتال من أجل الماء والغذاء.. فيصبح بذلك مشابهاً للحيوانات والوحوش التي تعيش لتأكل لا تأكل لتعيش وتتعارف وتعبد الله تعالى فوق أرضه وتحت سمائه.ومن المؤسف حقاً أن الإنسان لم يستفد من تلك الغاية العظيمة من الله العليم الحكيم، فعاش فوق الأرض "مفسداً لها"، كما خشيت الملائكة بادئ الأمر لا "خليفة" كما يريده الله تعالى الذي تجلّى علمه سبحانه على علم الملائكة الذين اعترفوا بعدها (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)، فتجلّت حكمته سبحانه في خلق آدم عليه السلام وذريّته من بعده.. من يخطئ منهم ثم يستغفر الله.. يجد الله غفوراً رحيماً ثم يجد الجنة ثمرة عبادته.. ومن يخطئ منهم ويستكبر ويكفر ثم لا يستغفر ولا يتوب ولا يهتدي.. يجد الله شديد العقاب.. ولا يجد إلا جهنم ثمرة معصيته.ولكن الإنسان الظلوم لنفسه أبى إلا أن يكون أنانيّا حاقداً كارهاً مبغضاً للآخرين، فسرق ونهب وقتل وسفك واغتصب واعتدى، واستبدل التعارف فيما بينه باقتتال وحروب لغتها العنف ووقودها الدماء، فلم يستفد من حكمة خالقه في ذلك التنوّع والاختلاف فنشأت الحروب وحملات الاحتلال واندلعت الحروب العالمية والدولية والنزاعات القبلية والعرقية حتى أصبح الإنسان الجزء المظلم من معادلة المخلوقات كلها التي تسبح بحمد الله ليل نهار، بل وتسجد لله ليل نهار.. ولكن لا يفقه من ذلك التسبيح ولا السجود شيئاً.عمّت الحروب وهلك فيها من هلك وطغى الإنسان محارباً جنسه وفصيلته حتى أصبح الأمر يحتاج إلى رسل من عند الله تعالى يهدون الناس إلى الصراط المستقيم ويتلون عليهم آياته وكلامه في كتبه، ولكن ذلك لم يؤثّر في الظالمين لأنفسهم.. فقتلوا الأنبياء وكذّبوهم وطردوهم، حتى ختم الله رسالته للعالمين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم ليكون نذيراً وبشيراً للعالمين.. وليكون في الوقت نفسه رحمة للعالمين.. في الوقت الذي اقتربت فيه نهاية العالم "يوم القيامة" (بعثت أنا والساعة كهاتين)، حتى تكون رسالة أخيرة ويكون الرسول عليهم شهيداً.. فمن أطاعه "دخل الجنة".. ومن عصاه فقد أبى.. إلا أن يدخل "النار".فهل حقق الإنسان في هذه الحياة الغاية المطلوبة؟ وهل حقق الناس عبوديتهم لله تعالى؟، وهل عرف المؤمنون منهم أنهم مهما علا إيمانهم وسما قدرهم فإنهم لا يزالون يحتاجون لغيرهم وأنهم مأمورون وفق القاعدة الذهبية "يتعاونون فيما بينهم ويعذر بعضهم بعضاً فيما يختلفون فيه"، فلو أنهم فعلوا ذلك لما اقتتل أهل الإسلام فيما بينهم ولا طعن أحدهم في الآخر ولا هاجم المسلم أخاه، لأن التعارف والتعاون محمود للإنسان مع أخيه الإنسان ومن باب أولى أن يكون ذلك جليّاً واضحاً بين المسلم وأخيه المسلم.. قال تعالى: (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل *واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).